منها : أحكام القرآن ، كتبه على مباني مذهب أبي حنيفة ، ويعدّ من أهم الكتب المدوّنة في الموضوع ، ولعله أبسط الكتب في ذلك ، وقد تعرّض فيه لجوانب كثيرة من معاني آيات الأحكام في صورة مسهبة ، ومستوعبة كل جوانب الكلام ، بعيدا عن التعصّب المذهبي في غالب ما يكتبه ، وإن كان الأستاذ الذهبي قد رماه بالتعصّب لمذهب أبي حنيفة ، وتحامله على سائر الأئمة. لكنّا لم نر تحاملا منه ولا تعصّبا أعمى وإنما هو بيان الحق ، حسبما يراه.
مثلا عند ما تعرّض لقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(١) نجده يحاول أن يجعل الآية دالّة على أنّ من دخل في صوم التطوع لزم اتمامه (٢).
وقد عدّ الذهبي ذلك منه تعسّفا وتعصّبا لرأي أبي حنيفة في ذلك (٣).
قلت : لا تعسّف ولا تعصّب ، بعد ظهور الآية في ذلك ، نظرا لإطلاق لفظها ، وهو مذهب المالكية أيضا. وعند الشّافعي وأحمد الإتمام مسنون (٤).
والاختلاف في قضاء صوم التطوّع إذا لم يكن عن عذر ، ناشئ عن اختلاف الأحاديث في ذلك (٥). والجصاص رجّح القضاء استنادا إلى ظاهر إطلاق الآية ، فلم يكن هناك تعسّف ؛ لأنه استناد إلى ظاهر الدليل ، كما لم يكن تعصّبا لمذهب أبي حنيفة بعد ذهاب مالك إليه أيضا.
وأما عند الشيعة الإمامية فهو بالخيار في صوم التطوع ما بينه وبين الزوال ،
__________________
(١) البقرة / ١٨٧.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ، ج ١ ، ص ٢٧٤ ـ ٢٨٥.
(٣) التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ٤٤٠.
(٤) الفقه على المذاهب الأربعة ، ج ١ ، ص ٥٥٨.
(٥) راجع : ابن رشد الأندلسي ، في بداية المجتهد ، ج ١ ، ص ٣٢٢.