إليه مطلقا ؛ وذلك عملا بالآيتين.
وهذا تعسّف في الاستدلال ؛ لأنه حمل للظاهر على بعض صوره من غير دليل ، على أنّ الإطلاق في الآية الأولى يجب تقييده بالآية الثانية ، وحمل المطلق على المقيّد ليس إبطالا للمطلق ، كما زعمه الجصّاص.
ومما أخذ عليه الذهبي حملته على مخالفيه ؛ بحيث لا يعفّ لسانه عنهم. قال : ثم إن الجصّاص مع تعصّبه لمذهبه وتعسّفه في التأويل ، ليس عفّ اللسان مع الإمام الشافعي ، ولا مع غيره من الأئمة.
وكثيرا ما نراه يرمي الشافعي وغيره من مخالفي الحنفية بعبارات شديدة ، لا تليق من مثل الجصّاص ، فمثلا عند ما تعرّض لآية المحرّمات من النساء نجده يعرض الخلاف الّذي بين الحنفية والشافعية ، في حكم من زنى بامرأة ، هل يجوز التزويج ببنتها أو لا؟
وتمسك الشافعي بأن الحرام لا يحرم الحلال ، ثم ذكر مناظرة له مع سائل سأله : كيف تحرم بنت المنكوحة ولا تحرم بنت المزني بها؟ فأجابه الشافعي بأن ذاك حلال وهذا حرام ، ولم يزد في الفرق بينهما على ذلك. وهنا يقول الجصّاص : فقد بان أن ما قاله الشافعي وما سلمه له السائل كلام فارغ لا معنى تحته في حكم ما سئل عنه. ثم يقول : ما ظننت أن أحدا ممن ينتدب لمناظرة خصم ، يبلغ به الإفلاس من الحجاج ، إلى أن يلجأ إلى مثل هذا ، مع سخافة عقل السائل وغباوته (١).
وفي هذا الكلام إهانة بموضع الشافعي ، وفرضه فيمن لا يعتدّ بشأنهم.
__________________
(١) أحكام القرآن ، ج ٢ ، ص ١١٨.