قلت : لا شك أنّ استدلال الشّافعي هنا ضعيف ؛ إذ كثير من المحرّمات حرمن المحلّات ، كما في مسألة اللواط يحرّم أخته وأمه وبنته على اللاطي ، وكالعقد على المعتدّة والدخول بها ، والزنى بذات البعل.
وحديث «الحرام لا يحرّم الحلال» وارد فيمن أحل له فرج ثم زنى بأمها أو بنتها (١) فهو ناظر إلى السابق ، أي الحلال الفعلي لا الحلال الشأني. ومن الغريب أن الشافعي هنا أخذ بالقياس مع الفارق.
وهكذا أخذ عليه الذهبي ميله إلى مذهب الاعتزال ، وكذا تحامله على معاوية.
أما ميله إلى الاعتزال فلأنه نفى إمكان رؤيته تعالى ، وحمله أخبار الرؤية على العلم لو صحت (٢).
قلت : وهذا من كمال فضله ؛ حيث حكّم العقل على النقل ، وهو دأب المحصّلين.
وأما تحامله على معاوية فمن ثبات عقيدته وصلابته في دينه. إنّ معاوية بغى على إمام زمانه وخرج عليه بالسيف ، فعلى كل مسلم منابذته والتحامل عليه بالسيف ، فضلا عن اللسان. وسكوت بعض السلف في ذلك مراوغة خبيثة.
يقول الذهبي : إننا نلاحظ على الجصّاص أنه تبدو منه البغضاء لمعاوية ، ويتأثّر بذلك في تفسيره ، فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) ـ إلى
__________________
(١) راجع : المسألة (٢٨) من أحكام المصاهرة ، من العروة الوثقى.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ، ج ٣ ، ص ٤ ـ ٥.