٢ ـ الوضع لنصرة المذاهب في أصول الدين وفروعه. فإنّ المذاهب والآراء لما تشعّبت ، جعل كل فريق يستفرغ ما بوسعه لإثبات مذهبه ودعم عقيدته ، لا سيّما بعد ما فتح باب المجادلة والمناظرة في المذاهب والآراء. ولم يكن المقصود من ذلك إلّا إفحام الجانب الآخر مهما بلغ ثمن ذلك ، ولو بالحطّ من كرامة الدين.
فقد روى ابن الجوزي بإسناده إلى الدار قطني عن أبي حاتم ابن حبان ، قال : سمعت عبد الله بن علي يقول : سمعت محمد بن أحمد بن الجنيد يقول : سمعت عبد الله بن يزيد المعرّي يقول عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته ، فجعل يقول : انظروا هذا الحديث ممّن تأخذونه ، فإنّا كنّا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.
وبإسناده إلى ابن لهيعة قال : سمعت شيخا من الخوارج تاب ورجع ، وهو يقول : إن هذه الأحاديث دين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم ، فإنّا كنّا إذا هوينا أمرا صيّرناه حديثا. وعن آخر ، قال : كنّا إذا اجتمعنا استحسنّا شيئا جعلناه حديثا (١). قال أبو ريّة : وليس الوضع لنصرة المذاهب محصورا في المبتدعة وأهل المذاهب في الأصول ، بل إن من أهل السنة المختلفين في الفروع من وضع أحاديث كثيرة لنصرة مذهبه أو تعظيم إمامه.
من ذلك ما رواه الأحناف ، قدحا في الشافعي ومدحا لأبي حنيفة ، بإسناد رفعوه إلى أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يكون في أمّتي رجل يقال له : محمد بن إدريس ، أضرّ على أمّتي من إبليس. ويكون في أمتي رجل يقال له : أبو حنيفة ، هو سراج أمّتي».
__________________
(١) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٣٨ ـ ٣٩.