وقد رواه الخطيب مقتصرا على ما ذكروه في أبي حنيفة ، وقال : موضوع وضعه محمد بن سعيد المروزي البورقي ، وهكذا حدّث به في بلاد خراسان ثم حدّث به في العراق ، وزاد فيه : «وسيكون في أمّتي رجل يقال له : محمد بن إدريس ، فتنته أضرّ على أمّتي من فتنة إبليس».
قال أبو ريّة : وهذا الإفك مما لا يحتاج إلى بيان بطلانه ، ومع هذا تجد فقهاء الأحناف المعتبرين يذكرون في كتبهم الفقهيّة شقّ الحديث الذي يصف أبا حنيفة بأنه سراج الأمّة ويسكنون إليه ، بل يستدلّون به على تعظيم إمامهم على سائر الأئمة.
الأمر الذي اضطرّ الشافعيّة إزاء ذلك أن يضعوا في إمامهم حديثا يفضّلونه على كل إمام ، وهذا نصّه : «أكرموا قريشا فإنّ عالمها يملأ طباق الأرض علما». وأنصار الإمام مالك لم يلبثوا أن وضعوا في إمامهم هذا الحديث : «يخرج الناس من المشرق إلى المغرب ، فلا يجدون أعلم من عالم أهل المدينة». وأحاديث مشابهة وضعوها بهذا الشأن (١).
هذا فضلا عن الدسّ والتزوير فى الأحاديث لنصرة المذهب.
هذا أبو العباس القرطبي ـ في شرح صحيح مسلم ـ يقول : أجاز بعض فقهاء أهل الرأي ، نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس الجليّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نسبة قوليّة. فيقولون في ذلك : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كذا وكذا ؛ ولهذا نرى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنّها موضوعة ؛ لأنها تشبه فتاوي الفقهاء ،
__________________
(١) أضواء على السنة المحمّدية ، ص ١٢٢. وراجع : الغدير (ج ٥ ، ص ٢٧٧ ـ ٢٨٨) للعلامة الأميني تجد فصلا مشبعا بهذه المدسوسات من المناقب والمكرمات.