وكان الهيثم الطائي يقوم عامة الليل بالصلاة ، فإذا أصبح يجلس ويكذب ، وأمثاله كثير من الزهاد كانوا من الوضّاعين حسبة لله فيما زعموا (١).
قال ابن الجوزي : منهم قوم وضعوا الأحاديث في الترغيب والترهيب ؛ ليحثّوا الناس بزعمهم على الخير ويزجروهم عن الشرّ. وهذا تعاط على الشريعة ، ومضمون فعلهم أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تتمة ، فقد أتممناها. ثم أسند إلى أبي عبد الله النهاوندي ، قال : قلت لغلام خليل : هذه الأحاديث التي تحدّث بها من الرقائق؟ فقال : وضعناها لنرقّق بها قلوب العامّة. وكان غلام خليل هذا يتزهّد ويهجن شهوات الدنيا ويتقوّت الباقلاء تصوّفا. وغلقت أسواق بغداد يوم موته (٢).
٤ ـ وضع الحديث تزلفا لدى الأمراء. كان بعض ضعفاء النفوس من المحدّثين الضعيفي الإيمان يتزلّفون لدى الأمراء والسلاطين ، بوضع أحاديث تروقهم ، أو تشيد من شناعاتهم في السياسة والحكم.
كان الرشيد يعجبه الحمام واللهو به ، فأهدي إليه حمام ، وعنده أبو البختري القاضي (٣) ، فقال : روى أبو هريرة عن النبي أنه قال : لا سبق إلّا في خفّ أو حافر أو جناح. فزاد جناح. وقد وضعها تزلّفا لدي الرشيد ، فأعطاه جائزة سنيّة. ولمّا
__________________
(١) وقد أفرد العلامة الأميني فصلا أورد أسماءهم فيه (الغدير ، ج ٥ ، ص ٢٧٥ ـ ٢٧٧).
(٢) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٣٩ ـ ٤٠.
(٣) أبو البختري ، وهب بن وهب ، انتقل من المدينة إلى بغداد في خلافة هارون الرشيد ، فولّاه القضاء بعسكر المهدي (المحلة المعروفة بالرصافة بالجانب الشرقي من بغداد) ثم عزله وولاه القضاء بمدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد بكار بن عبد الله الزبيري ، وجعل إليه ولاية حربها ، مع القضاء. ثم عزله ، فقدم بغداد وأقام بها إلى أن هلك سنة ٢٠٠.