كما أنّ الذم على الكفر والجحود ، هو خير دليل على اختياريته ، وعدم وجود مانع قاهر عن الإيمان.
وذكر في المقام الثاني وجوها عشرة على أنّ المعلوم لا ينقلب عما هو عليه بسبب العلم ؛ لأن العلم إنما يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه ، فإن كان ممكنا علمه ممكنا ، وإن كان واجبا علمه واجبا ، ولا شك أنّ الإيمان والكفر كل واحد بالنظر إلى ذاته ممكن الوجود ، فلو صار واجبا بسبب العلم ، كان العلم مؤثرا في المعلوم ، وهو باطل بالضرورة.
وأيضا فان الله تعالى قال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) وقال : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) وقال : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ)(٣) فكيف يكلف الله العبيد ما لا يطيقون؟!
وفي المقام الثالث ، نقل عن القاضي عبد الجبار جواب المعتزلة عن الأشاعرة ، وتخطئة انقلاب العلم جهلا والصدق كذبا. قال الكعبي وأبو الحسين البصري : إنّ العلم تبع المعلوم ، فإذا فرضت الواقع من العبد الإيمان عرفت أنّ الحاصل في الأزل لله تعالى هو العلم بالإيمان ، ومتى فرضت الواقع منه هو الكفر بدلا عن الإيمان عرفت أنّ الحاصل في الأزل هو العلم بالكفر بدلا عن الإيمان. فهذا فرض علم بدلا عن علم آخر ، لا أنه تغيّر العلم. قال الإمام الرازي : فهذا الجواب هو الّذي اعتمده جمهور المعتزلة.
قلت : وقد عرفت قوّة استدلالهم ، وضعف دلائل خصومهم ، غير أنّ الإمام
__________________
(١) البقرة / ٢٨٦.
(٢) الحج / ٧٨.
(٣) الأعراف / ١٥٧.