الأشعري في الأخذ بالظواهر والجمود عليها ، وترك الخوض في فهم حقيقتها أو تأويلها ، نراه يخالف هذا المسلك السلفي ، ويذهب إلى ما ذهب إليه أهل الرأي والنظر والتمحيص وأصحاب التأويل ، وقد عبّر عنهم الذهبي بالمعتزلة وليسوا هم وحدهم بل وأهل القول بالعدل وتحكيم العقل مطلقا فيرى من الملائكة والشياطين ، القوى الفعّالة المودعة في عالم الطبيعية ، في صالح الحياة أو فسادها ، أما إنها موجودات مستقلة ذوات شمائل وأعضاء كشمائل الإنسان وأعضائه ، حسب ما فهمه الظاهريّون من تعابير الشرع التي هي أمثال واستعارات فلا ، نظرا لأنها موجودات لا تسانخ وجود الإنسان بذاته ، ولا هي على شاكلته.
قال في قصة سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس (البقرة : ٣٤) :
«وذهب بعض المفسرين مذهبا آخر في فهم معنى الملائكة ، وهو : أنّ مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكّلين بالأعمال من إنماء نبات وخلقة حيوان وحفظ إنسان وغير ذلك ، فيه إيماء إلى الخاصّة بما هو أدقّ من ظاهر العبارة ، وهو أنّ هذا النموّ في النبات لم يكن إلّا بروح خاص ، نفخه الله في البذرة ، فكانت به الحياة النباتيّة المخصوصة ، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان ، فكلّ أمر كلّي قائم بنظام مخصوص تمّت به الحكمة الإلهية في إيجاده ، فإنّما قوامه بروح إلهي ، سمّي في لسان الشرع ملكا ، ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسم هذه المعاني «القوى الطبيعية» ، إذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلّا ما هو طبيعة ، أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة. والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه ، هو أن في باطن الخلقة أمرا هو مناطها ، وبه قوامها ونظامها ، لا يمكن لعاقل أن ينكره ، وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكا ، وزعم أنه لا دليل على وجود الملائكة ، أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوّة طبيعية أو ناموسا طبيعيا ؛ لأنّ هذه الأسماء لم ترد في الشرع ، فالحقيقة واحدة والعاقل لا تحجبه الأسماء عن المسمّيات ، وإن