«وهذا الحديث الذي يردّه الأستاذ الإمام ، رواه البخاري وغيره (١) من أصحاب الكتب الصحيحة ، وليس من وراء صحّته ما يخلّ بمقام النبوّة. (وعلّل عدم الإخلال بأنه من قبيل المرض ، وقد عرفت ردّ الإمام عليه بأحسن ردّ) وأضاف قائلا :
«ثم إنّ الحديث رواية البخاري وغيره من كتب الصحيح ، ولكن الأستاذ الإمام ، ومن على طريقته ، لا يفرقون بين رواية البخاري وغيره ، فلا مانع عندهم من عدم صحّة ما يرويه البخاري ، كما أنه لو صح في نظرهم فهو لا يعدو أن يكون خبر آحاد ، لا يثبت به إلّا الظنّ ، وهذا في نظرنا هدم للجانب الأكبر من السنّة التي هي بالنسبة للكتاب في منزلة المبيّن من المبيّن ، وقد قالوا : إن البيان يلتحق بالمبيّن ، قال : «وليس هذا الحديث وحده الذي يضعّفه الشيخ ، أو يتخلص منه بأنه رواية آحاد ، بل هناك كثرة من الأحاديث نالها هذا الحكم القاسي» ، فمن ذلك أيضا حديث الشيخين «كل بني آدم يمسّه الشيطان يوم ولدته أمّه إلّا مريم وابنها» فإنه قال فيه : «إذا صح الحديث فهو من قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة» (٢).
«فهو لا يثق بصحّة الحديث رغم رواية الشيخين له ، ثم يتخلّص من إرادة الحقيقة على فرض الصحة ، بجعل الحديث من باب التمثيل ، وهو ركون إلى مذهب المعتزلة ، الذين يرون أنّ الشيطان لا تسلّط له على الإنسان إلّا بالوسوسة والإغواء فقط» (٣).
قلت : الحق أحقّ أن يتّبع ، حتى ولو كان القائل به أصحاب الاعتزال ؛ إذ الحق
__________________
(١) صحيح البخاري ، ج ٧ ، ص ١٧٨. ومسلم ج ٧ ، ص ١٤. فتح الباري ، ج ١٠ ، ص ١٩٣.
(٢) راجع : تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٢٩٠.
(٣) التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ٥٧٥.