وأيضا روى عن شيخه أبي جعفر : أن معاوية بذل لسمرة بن جندب ـ الرجل الوقح ـ مائة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ. وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)(١) وأنّ الآية الأخرى نزلت في ابن ملجم ، وهي قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٢) فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف فقبل ، وروى ذلك (٣).
نعم كان معاوية يرى لنفسه ما يضاهي به عليا في مثل مقامه ومرتبته ، ومن ثمّ كان يحاول الانتشال من مقامه الوضيع ليتسنّى له المقابلة مع مثل أمير المؤمنين عليهالسلام فكان يجعل الجعائل للوضع في تفضيله وتفضيل بلاده التي كان يحكمها ، وحاضرة ملكه ، كان يجهد جهده في ذلك.
قال أبو ريّة : ومعاوية ـ كما هو معروف ـ أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة ، فهو بذلك من الطلقاء. وكان كذلك من المؤلّفة قلوبهم الذين كانوا يأخذون ثمنا لإسلامهم. وهو الذي هدم مبدأ الخلافة الرشيدة في الإسلام ، فلم تقم لها من بعده إلى اليوم قائمة. وقد اتخذ دمشق حاضرة لملكه ، وقد وضعوا فيه وفي تفضيل الشام أحاديث نسبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نذكر منها : ما أخرجه الترمذي أنّ النبي قال لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا. وفي حديث آخر أنّ النبي قال :
__________________
(١) البقرة / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
(٢) البقرة / ٢٠٧.
(٣) شرح النهج ، ج ٤ ، ص ٧٣.