حكم فيه على القدريّة أنهم مجوس هذه الأمّة ، منصبّا عليهم ؛ وذلك حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(١) : ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمّة ، بشهادة نبيّها صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وكفى به شاهدا ـ إلّا هذه الآية لكفى بها حجة (٢).
كما سمّاهم بهذا الاسم ورماهم بأنهم يحيون لياليهم في تحمّل الفاحشة ، ينسبونها إلى الله تعالى ؛ حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(٣) : وأما قول من زعم أنّ الضمير في «زكّى» و «دسّى» لله تعالى ، وأنّ تأنيث الضمير الراجع إلى «من» لأنّه في معنى النفس ، فمن تعكيس القدريّة الذين يورّكون (٤) على الله قدرا هو بريء منه ومتعال عنه. ويحيون لياليهم في تمحّل فاحشة ينسبونها إليه (٥).
والظاهرة العجيبة في خصومة الزمخشري ، أنه يحرص كل الحرص على أن يحوّل الآيات القرآنية التي وردت في حق الكفار ، إلى ناحية مخالفيه في العقيدة من أهل السنة ، ففي سورة آل عمران حيث يقول تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ)(٦) ، نجد الزمخشري بعد ما يعترف بأنّ الآية واردة في حق اليهود والنصارى يجوز أن تكون واردة في حق مبتدعي
__________________
(١) فصّلت / ١٧.
(٢) الكشاف ، ج ٤ ، ص ١٩٤.
(٣) الشمس / ٩ ـ ١٠.
(٤) ورك فلان ذنبه على غيره ، إذا قرفه به ، أي اتهمه به ظلما.
(٥) الكشاف ، ج ٤ ، ص ٧٦٠.
(٦) الآية ١٠٥.