عليهم.
قال الأستاذ حسن عباس زكي (١) بصدد الدفاع عن مواضع الصوفية في تأويل القرآن :
فالمفسرون من علماء الشريعة يقفون عند ظاهر اللفظ وما دلّ عليه الكلام من الأمر والنهي والقصص والأخبار والتوحيد ، وغير ذلك ، وأهل التحقيق أو الصوفية يقرّون تفسيرهم هذا ، ويرونه الأصل الذي نزل فيه القرآن. ولكن لهم في كلام الله مع الأخذ بهذا التفسير الظاهري مذاقات لا يمكنهم إغفالها ؛ لأنها بمثابة واردات أو هواتف من الحق لهم. فلا ينبغي أن نقف القرآن على تفسير معيّن على أنه المراد ، فلا نقول كما يقول البعض : إنّ التفسير الظاهري وحده هو المقصود ، كما لا يرى أهل التحقيق أنّ تفسيرهم وحده هو المراد ؛ لأن القول بالتفسير الظاهري وحسب ، تحديد لكلام الله غير المحدود ، وإخضاع القرآن للّغة التي مقياسها العقل المحدود ، والوقوف في تفسير كلام الله عند العقل المحدود ، عقال عن الانطلاق فيما وراء الغيوب ، وإغلاق الباب لمذاقات ليس العقل مجالها ؛ لأنها لا تخضع لمقاييسه وإنما تخضع لشيء آخر فوقه ، وتدرك بلطيفة أخرى سواه ، إذن فهناك ما فوق العقل إلا وهو القلب ؛ فإن للقلب لغته كما أنّ للعقل لغته. وإذا كانت لغة العقل تدرك بالألفاظ ، ويعبّر عنها بالكلمات ، فلغة القلب تدرك بالذوق ؛ لأنه لا يحيط بالتعبير عنها اللفظ.
ولنقرب إلى الفهم ، فلغة القلب مثل التفّاحة ، فلن يستطيع من أكلها وأحسّ حلاوتها أن يترجم باللفظ أو يعبّر بالوصف ـ لمن لم يأكلها قبل ـ عن طعمها
__________________
(١) وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بمصر ، له تعريف بتفسير القشيري أثبته في مقدمة الكتاب.