ومذاقها ، وهكذا لا تدرك لغة القلب بوصف أو بلفظ ، وإنما يدركها ذو قلب متذوّق ؛ ولذلك لا تحيط بالتعبير عن لغة القلب العبارة ، وإنما يعبّر عنها بالإشارة.
فالإشارة ترجمان لما يقع في القلوب من تجلّيات ومشاهدات ، وتلويح لما يفيض به الله على صفوته وأحبابه من أسرار في كلام الله ، وكلام رسوله.
ومن هنا كانت مذاقات الصوفية وأهل التحقيق في القرآن الكريم ، وهم لا يرون أنّ تلك المذاقات وحدها هي المرادة ، وإنما يأخذونها إشارات من الله لهم بعد إقرار ما قاله أهل الظاهر من تفسير ، باعتباره أصل التشريع.
وجليّ بعد ذلك أنه لا مجال لمتعرض ممن ينكر عليهم مذاقاتهم ، ويراها ميلا بكلام الله عن مجراها ، ما داموا لا يأخذون بمذاقاتهم وحدها ، وإنما يأخذون بهما مع إقرارهم لتفسير أهل الشرع. فلا يعنينا من ذي جدل أن يقول عن هذه الإشارات : إنها إحالة لكلام الله وتغيير لسياقه ومجراه ؛ لأنّ ذلك يصدق لو قالوا : إنه لا معنى للآية إلّا هذا ، وهم لا يقولون ذلك ، بل يقرّون الظواهر على ظواهرها ، ويفهمون عن الله ما أفهمهم.
وذلك مصداق الحديث الشريف : «لكل آية ظهر وبطن وحدّ ومطلع» فالباطن لا يعارض الظاهر ، والظاهر لا يعارض الباطن.
وذلك النهج بعيد كل البعد عما نادى به «الباطنيّة» من الأخذ بباطن القرآن لا ظاهره ، وقصرهم معاني القرآن على ما ادعوه من تفسيراتهم دون غيره ؛ لأنّهم بذلك لا يقرّون الشريعة ويبطلون العمل بها ، وهم لا يخضعون دعواهم للنص القرآني ، بل يخضعون النص القرآني لدعواهم.
وهنا يزول ما التبس على البعض من أن مذاقات الصوفية في القرآن الكريم ، نزعة باطنية ، فبينهم وبينها آماد وأبعاد ، بل أنهم لبريئون منها ، ولينكرونها كل الإنكار ، وواضح ذلك من أنهم يأخذون بالباطن بعد الأخذ بالظاهر ، ويقرّون