الحقيقة بعد الأخذ بالشريعة ، ويرون أن الحقيقة نفسها أساسها الشريعة ، فالفرق ثمة كبير ، والبون شاسع وعظيم.
ولا مجال بعد هذا الإيضاح لإنكار من ينكر على الصوفية مذهبهم في الإشارات وما يختصهم الله به في كلامه وكلام رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأسرار والفيوضات.
على أنّ تلك الإشارات أمر مشروع أقرّه الحديث المذكور آنفا «لكل آية ظاهر وباطن وحدّ ومطلع» فأربابها متّبعون لا مبتدعون ، اختصهم الله بأسراره في آياته ، ليكونوا مصابيح الهدى في غسق الدّجى ، كما أقره عمد الدين وذوو العلم من المؤلّفين :
قال سعد الدين التفتازاني ، في شرح العقائد النسفية : «وأما ما ذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص مصروفة على ظواهرها ، ومع ذلك فيها إشارات خفيّة إلى حقائق تنكشف على أرباب السلوك ، يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان» (١).
وقال الشيخ زروق : «نظر الصوفي أخصّ من نظر المفسّر وصاحب فقه الحديث ؛ لأن كلّا منهما يعتبر الحكم والمعنى ليس إلّا ، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتاه».
فإذا دار المفسر في حدود اللفظ القرآني ، واستنبط منه الفقهاء ما استنبطوا من أحكام ، فلأولي الألباب وذوي البصائر فيه بعد ذلك من الأسرار والحقائق ما لا ينكشف لسواهم ولا يدركه غيرهم ، وذلك لتجدّد واردات الحق عليهم ، ودوام
__________________
(١) شرح العقائد النسفية ، ص ١٢٠ (ط كابل).