تنزّل الفيوضات على قلوبهم ؛ لأنهم أهله ومحبّوه (١).
ولقد أبدع الأستاذ زكي وأبدى براعته في الدفاع عن حريم الصوفية وتأويلاتهم لنصوص الشريعة ، لكنه تطوّع في الدفاع محاولا التغطية على انحرافات القوم وعدم الإفشاء ، مرورا عليها مرور الكرام ، صونا على عرضهم وعدم هتك نواميسهم. وهل الواقعية تساند هذا الدفاع؟ هذا شيء آخر ، ولعلّ الأمر بخلافه.
إنّ شريعة الله ، ظاهرة وباطنة ، ذات حقيقة واحدة ، وتتجلى خلال أوامره ونواهيه وأحكامه وتكاليفه ، من عبادات وفرائض وأصول معارف وفروع مسائل ، إن قام بها المكلّف عن إيمان وإخلاص ، فقد احتضن الحقيقة وأصابها واستضاء بنورها ، وكانت له فيها السعادة والنجاة في الدّارين ، كما سعد السلف الصالح وبلغوا ساحل النجاة.
أمّا أنّ هناك طريقة وراء الشريعة ، فمن سلك الطريقة بلغ الحقيقة ، ومن اقتصر على الشريعة لم ينل سوى المظاهر دون اللّب والصميم. فهذا أمر غريب ومبتدع ابتدعه أهل التأويل. في عهد متأخر عن دور الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وما هذه الحقيقة الكامنة وراء الشريعة ، والتي اتّخذها الصوفية طريقة في السلوك وعرفانا إلى الواقع الصميم؟! هل هي تلك الخلسات والجلسات العجيبة ، والأوراد والأذكار المبتدعة في أطوارها وكيفيّاتها ، مما لم يأت الله بها من سلطان ، وإنما هي شيء ابتدعوها ابتداعا لا مستند لها.
__________________
(١) مقدمة تفسير القشيري ، ج ١ ، ص ٤ ـ ٦.