المدينة (١). وهكذا استمر على عهد عثمان ، حتى كان الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام هو الذي طرد القصّاص من المساجد على عهده (٢) ، الأمر الذي قد أصرّ معاوية على تداومه في المساجد ، منذ أن أجازه عمر بن الخطاب.
وكان الذي أشاع القصّ في المساجد هو كعب الأحبار ؛ حيث انتهز الفرصة أيام الفتنة لبثّ مخاريقه بين المسلمين كيدا بالإسلام ؛ وذلك أن وجد من سياسة معاوية إمكان إشاعة أساطيره بين الناس.
كان كعب قد توعّده عمر بالنفي إلى أرض القردة إذا هو روى إسرائيلياته أو ما كان يلصقه بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحاديث خرافة (ستوافيك في حقل الإسرائيليات). فلم يجد كعب تلقاء هذا التهديد مناصا من أن يذعن في غيظ وموجدة ، ثم أخذ يسعى في الخفاء لكي يحقق أغراضه التي أسلم من أجلها. قال أبو ريّة : وما لبث أن أتيحت له فرصة المؤامرة التي دبّرتها جمعيّة سريّة لقتل عمر ، فاشترك هو فيها ، ونفخ في نارها.
فلما خلا له الجوّ بقتله ، أطلق العنان لنفسه لكي يبثّ ما شاء الكيد اليهودي أن يبثّ من الخرافات الإسرائيليّات التي تشوّه بهاء الدين ، يعاونه في ذلك تلاميذه الكبار أمثال : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأبي هريرة.
وقد درس هذا الكاهن اليهودي في ملامح معاوية تحقيق أهدافه وإمكان رواج إسرائيلياته ، فلم يدع تلك الفرصة ، واغتنمها منذ عهد عثمان.
ذلك أنه لما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان واشتد زفيرها ، حتى التهمت
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٧.
(٢) فجر الإسلام لأحمد أمين ، ص ١٥٩ ـ ١٦٠.