عثمان فقتلته وهو ـ أي كعب الأحبار ـ في بيته ، لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمرّدون أن يبتهلها ، بل أسرع ينفخ في نارها ، ويسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وقد كان من كيده في هذه الفتنة أن أرهص بيهوديّته بأنّ الخلافة بعد عثمان ستكون لمعاوية.
فقد روى وكيع عن الأعمش عن أبي صالح : أنّ الحادي كان يحدو بعثمان يقول :
إن الأمير بعده عليّ |
|
وفي الزبير خلق رضيّ (١) |
فقال كعب : بل هو صاحب البغلة الشهباء ـ يعني معاوية ـ وكان يراه يركب بغلة ، فبلغ ذلك معاوية فأتاه ، فقال : يا أبا إسحاق ما تقول هذا؟ وهاهنا عليّ والزبير وأصحاب محمد! قال : أنت صاحبها ـ لعله أردف ذلك بقوله : إنّي وجدت ذلك في التوراة ـ كما هي عادته.
وقدّر معاوية هذه اليد الجليلة لكعب ، وأخذ يغمره بإفضاله.
وقد عرف من تاريخ هذا الكاهن أنه تحوّل إلى الشام في عهد عثمان ، وعاش تحت كنف معاوية ، فاستصفاه معاوية لنفسه وجعله من خلصائه ، لكي يروي من أكاذيبه وإسرائيلياته ما شاء أن يروي في قصصه ؛ لتأييده ، وتثبيت قوائم دولته.
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني بأنّ معاوية هو الذي أمر كعبا بأن يقصّ في الشام (٢). وهو الذي بثّ أحاديث تفضيل الشام وأهلها ، سواء بنفسه أو على يد تلامذته.
__________________
(١) النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ، للمقريزي ، ص ٥١.
(٢) الإصابة ، ج ٣ ، ص ٣١٦ وراجع : الأضواء ، ص ١٧٩ ـ ١٨١.