لذلك مثلا ما ذكره بشأن قوله تعالى : (ن ، وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(١) بما لا يرجع إلى محصّل.
قال في الباب الستين الذي وضعه لمعرفة العناصر وسلطان العالم العلوى على العالم السفلى :
«اعلم أنّ الله تعالى لما تسمّى بالملك رتّب العالم ترتيب المملكة ، فجعل له خواصا من عباده ، وهم الملائكة المهيمنة جلساء الحق تعالى بالذكر لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون. ثم اتخذ حاجبا من الكروبيين واحدا أعطاه علمه في خلقه ، وهو علم مفصّل في إجمال ، فعلمه سبحانه كان فيه مجلّى له ، وسمّى ذلك الملك «نونا» فلا يزال معتكفا في حضرة علمه عزوجل وهو رأس الديوان الإلهي ، والحق من كونه عليما لا يحتجب عنه. ثم عيّن من ملائكته ملكا آخر دونه في المرتبة سماه «القلم» وجعل منزلته دون منزلة «النون» واتّخذه كاتبا ، فيعلمه الله سبحانه من علمه ما شاءه في خلقه بوساطة «النون» ، ولكن من العلم الإجمالي ، ومما يحوي عليه العلم الإجمالي علم التفصيل ، وهو من بعض علوم الإجمال ؛ لأن العلوم لها مراتب ، من جملتها علم التفصيل. فما عند القلم الإلهي من مراتب العلوم المجملة إلّا علم التفصيل مطلقا ، وبعض العلوم المفصّلة لا غير ، واتّخذ هذا الملك كاتب ديوانه وتجلّى له من اسمه القادر ، فأمدّه من هذا التجلّي الإلهي ، وجعل نظره إلى جهة عالم التدوين والتسطير ، فخلق له لوحا وأمره أن يكتب فيه جميع ما شاء سبحانه أن يجريه في خلقه إلى يوم القيامة خاصّة ، وأنزله منزلة التلميذ من الأستاذ ، فتوجهت عليه هنا الإرادة الإلهية ، فخصّصت له هذا القدر من العلوم المفصّلة ، وله تجلّيات من الحق
__________________
(١) القلم / ١.