يقول : «وما خلق الله أشقّ ولا أشدّ من علماء الرسوم على أهل الله المختصّين بخدمته ، العارفين به من طريق الوهب الإلهي ، الذين منحهم أسراره في خلقه ، وفهّمهم معاني كتابه وإشارات خطابه ، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهمالسلام ، ولما كان الأمر في الوجود الواقع على ما سبق به العلم القديم ـ كما ذكرنا ـ عدل أصحابنا إلى الإشارات كما عدلت مريم عليهاالسلام من أجل أهل الإفك والإلحاد إلى الإشارة. فكلامهم رضى الله عنهم في شرح كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إشارات ، وإن كان ذلك حقيقة وتفسيرا لمعانيه النافعة ، ورد ذلك كلّه إلى أنفسهم مع تقريرهم
إيّاه في العموم وفيما نزل فيه. كما يعلمه أهل اللسان الذين نزل ذلك الكتاب بلسانهم ، فعمّ به سبحانه عندهم الوجهين ، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)(١) ، يعني الآيات المنزلة في الآفاق وفي أنفسهم ، فكل آية منزلة لها وجهان : وجه يرونه في نفوسهم ، ووجه آخر يرونه فيما خرج عنهم ، فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ، ليأنس الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك ، ولا يقولون في ذلك إنه تفسير ، وقاية لشرّهم وتشنيعهم في ذلك بالكفر عليه ؛ وذلك لجهلهم بمواقع خطاب الحق ، واقتدوا في ذلك بسنن الهدى ، فإنّ الله كان قادرا على تنصيص ما تأوّله أهل الله في كتابه ، ومع ذلك فما فعل ، بل أدرج في تلك الكلمات الإلهية التي نزلت بلسان العامّة ، علوم معاني الاختصاص التي فهمها عباده حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذي رزقهم (٢).
وتفاسيره بهذا النمط كثيرة ومنبثّة في كتبه لا سيّما في «الفتوحات». خذ
__________________
(١) فصلت / ٥٣.
(٢) راجع : الفتوحات المكية ، ج ١ ، ص ٢٧٩.