فلا موضع لما استغربه أمثال الشيخ محمد عبده ، وأن النزعات أو الشطحات التي تشاهد في هذا التفسير ، ليست شيئا غريبا عن روح ابن عربي ومذهبه في وحدة الوجود.
ويقوم مذهب ابن عربي في التفسير ـ في سائر مؤلفاته ـ غالبا على نظريّة «وحدة الوجود» التي يدين بها ، وعلى الفيوضات والوجدانيات التي تنهلّ عليه من سحائب الغيب الإلهي ، وتنقذف في قلبه من ناحية الإشراق الرّباني ، فنراه في كثير من الأحيان يتعسّف في التأويل ، ليجعل الآية تتمشّى مع هذه النظريّة ، فهو يبدّل فيما أراد الله من آياته ويفسّرها على أن تتضمن مذهبه وتكون أسانيد له ، الأمر الذي ليس من شأن المفسّر المنصف المخلص لله عمله ؛ إذ يجب على المفسّر المخلص أن يبحث في القرآن بحثا مجردا عن الهوى والعقيدة ، مما قلّ ما يوجد في أهل التصوّف والعرفان.
هذا وقد بالغ ابن عربي في دعواه الإشراقات الرّبانية المنهلّة على قلبه ، ويدّعي أنّ كل ما يجري على لسان أهل الحقيقة ـ ويعني بهم الصوفيّة بالذات ـ من المعاني الإشاريّة في القرآن هو في الحقيقة تفسير وشرح لمراد الله ، وأن أهل الله ـ ويعني بهم الصوفيّة ـ أحق الناس بشرح كتابه ؛ لأنهم يتلقّون علومهم عن الله مباشرة ، فهم يقولون في القرآن على بصيرة ، أما أهل الظاهر فيقولون بالظن والتخمين ، وفضلا عن ذلك إنّه يرى أنّ تفاسير أهل الحقيقة لا يعتريها شكّ ، وأنّها صدق وحقّ على غرار القرآن الكريم ، فإذا كان القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لأنّه من عند الله ، فكذلك أقوال أهل الحقيقة في التفسير ، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ؛ لأنها منزلة من عند الله يقرّر ابن عربي كل هذه المبادئ ويصرّح بها في فتوحاته.