وفي سورة المجادلة (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ)(١) يقول : لا بالعدد والمقارنة ، بل بامتيازهم عنه بتعيّناتهم ، واحتجابهم عنه بماهيّاتهم وإنّياتهم ، وافتراقهم منه بالإمكان اللازم لماهيّاتهم وهويّاتهم ، وتحقّقهم بوجوبه اللازم لذاته ، واتصاله بهم بهويّته المندرجة في هويّاتهم ، وظهوره في مظاهرهم ، وتستّره بماهيّاتهم ، ووجوداتهم المشخّصة ، وإقامتها بعين وجوده ، وإيجابهم بوجوبه. فبهذه الاعتبارات هو رابع معهم ، ولو اعتبرت الحقيقة لكان عينهم ؛ ولهذا قيل : «لو لا الاعتبارات لارتفعت الحكمة» ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «العلم نقطة كثّرها الجاهلون» (٢)
وفي سورة المزّمل (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(٣) يقول : واذكر اسم ربك الذي هو أنت ، أي اعرف نفسك ، واذكرها ، ولا تنسها ، فينساك الله ، واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها.
ربّ المشرق والمغرب ، أي الذي ظهر عليك نوره ، فطلع من أفق وجودك بإيجادك ، والمغرب الذي اختفى بوجودك ، وغرب نوره فيك ، واحتجب بك (٤).
تلك نماذج تكشف لك عن واقع هذا التفسير ، وأنه يقوم على مذهب صاحبه في القول بوحدة الوجود ، الأمر الذي يلتئم وإمكان نسبته إلى ابن عربي القائل بذلك ، فليس غريبا منه أن يقوم بتأليف تفسير يعتمد على مذهبه الخاص.
__________________
(١) الآية / ٧.
(٢) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٦١٢.
(٣) الآية / ٨ و ٩.
(٤) تفسير ابن عربي ، ج ٢ ، ص ٧٢٠ ـ ٧٢١.