والصنف الثالث : قوم تعمّدوا الكذب الصريح.
وهؤلاء ، منهم الزنادقة ، وضعوا الحديث قصدا إلى إفساد الشريعة ، وإيقاع الشك في قلوب العامة ، والتلاعب بالدين ، أمثال : ابن أبي العوجاء وضع أربعة آلاف حديث. وغيره ممن وضعوا كميّات كبيرة ، أحلّوا بها الحرام وحرّموا بها الحلال.
ومنهم ، أصحاب العصبيّة الجاهلة ، كانوا يضعون الحديث نصرة لمذهبهم ، وسوّل لهم الشيطان أنّ ذلك جائز.
ومنهم ، أهل التصوّف والتقشّف ، وضعوا الحديث في الترغيب والترهيب ، ليحثّوا الناس ـ بزعمهم ـ على فعل الخير وترك الشر ، وهذا تعاط على الشريعة ، ومضمون فعلهم أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تتمّة فقد أتمّوها.
ومنهم ، قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن ، فقد حدّث محمد بن خالد عن أبيه قال : سمعت محمد بن سعيد يقول : لا بأس إذا كان الكلام حسنا أن تضع له إسنادا.
ومنهم قوم وضعوا الحديث تزلّفا إلى سلطان أو نيلا إلى نوال ، كما وضع غياث بن إبراهيم حديث «لا سبق في جناح» تزلّفا إلى المهدي ، وكان يحبّ الحمام.
ومنهم من كان يضع الحديث جوابا لسائليه ليحظى منزلة رفيعة لديه.
ومنهم من كان يضع الحديث لقدح أو مدح في أناس لأغراض مختلفة ، كالأحاديث الموضوعة في قدح ومدح الشافعي وأبي حنيفة.
ومنهم من كان يضع الغريب من الحديث ، استجلابا لأنظار العامة ، كما كان يفعله القصّاص ؛ ومعظم البلاء منهم يجري ، لأنهم يزيدون أحاديث تثقف وترقق ، والصحاح يقل فيها هذا. لا جرم كان القصّاص شديدي النعير ساقطي