الجاه ، لا التفات إليهم ، ليست لهم دنيا ولا آخرة.
ومن هؤلاء القصّاص شحّاذون ، يضعون الحديث ويسندوه إلى من شاءوا ، ولا سيما من كان معروفا لدى العامة بالجاه والقبول.
قال جعفر بن محمد الطيالسي : صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة. فقام بين أيديهم قصّاص ، فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، قالا : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال : لا إله إلّا الله ، خلق الله كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ...» وأخذ في قصّة نحو عشرين ورقة. فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ، ويحيى ينظر إلى أحمد ، فقال له : أنت حدّثته بهذا؟ فقال : والله ما سمعت بهذا إلّا الساعة ، فلما فرغ من قصصه وأخذ القطيعات ، ثم قعد ينتظر بقيّتها ، أشار إليه يحيى بيده أن تعال ، فجاء متوهما النوال. فقال له يحيى : من حدّثك بهذا الحديث؟ فقال : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. فقال : أنا يحيى وهذا أحمد ، ما سمعنا بهذا قطّ في حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإن كان لا بدّ والكذب فعلى غيرنا! فقال له : أنت يحيى بن معين؟ قال : نعم. قال : لم أزل أسمع أنّ يحيى بن معين أحمق ، ما تحقّقته إلّا الساعة. قال له يحيى : كيف علمت أنّي أحمق؟ قال : كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما. قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. فوضع أحمد كمّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم. فقام كالمستهزئ بهما (١).
__________________
(١) الموضوعات ، ج ١ ، ص ٣٥ ـ ٤٦.