وفي تفسير قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(١) يقول : إنّ النفس لا تزكو إلّا بربّها ، فيه تشرّف وتعظّم في ذاتها ؛ لأن الزكاة ربو ، فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، والصورة في الشاهد صورة خلق ، فقد زكت نفس من هذا نعته وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، كالأسماء الإلهية لله ، والخلق كلّه بهذا النعت في نفس الأمر ، ولو لا أنه هكذا في نفس الأمر ما صحّ لصورة الخلق ظهور ولا وجود ؛ ولذلك خاب من دسّاها ؛ لأنّه جهل ذلك فتخيّل أنه دسّها في هذا النعت ، وما علم أنّ هذا النعت لنفسه نعت ذاتي لا ينفكّ عنه يستحيل زواله ، لذلك وصفه بالخيبة ؛ حيث لم يعلم هذا ؛ ولذلك قال : قد أفلح ، ففرض له البقاء. والبقاء ليس إلّا لله أو لما كان عند الله ، وما ثمّ إلّا الله أو ما هو عنده ، فخزائنه غير نافدة ، فليس إلّا صور تعقب صورا ، والعلم بها يسترسل عليها استرسالا (٢).
وبعد فإذا كانت النزعات أو الشطحات التي كان الشيخ الأستاذ محمد عبده يستوحشها ويستغرب أن تكون صادرة من مثل ابن عربي ، ومن ثم استنكر انتساب التفسير إليه ، فها هي مثلها أو أشد غرابة ، مبثوثة في كتبه ولا سيّما الفتوحات ، فأين موضع الاستغراب. ومن ثمّ فالأرجح صحة النسبة ولا سيما مع شهرتها وعدم وجود ما ينافي هذه النسبة ، نظرا لشدة المشابهة بين محتويات هذا التفسير وسائر مؤلّفات ابن عربي.
وأما ما ذكره الأستاذ الذهبي ـ لوجه المنافاة ـ من السماع من نور الدين عبد
__________________
(١) الشمس / ٩ ـ ١٠.
(٢) الفتوحات ، ج ٤ ، ص ١١٩.