أبا إسحاق ، من كبار أحبار اليهود ، كان أبوه كاهنا ، وورث الكهانة من أبيه. ولد قبل الهجرة باثنتين وسبعين سنة ، وأسلم بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أوائل خلافة عمر. وهلك أيام عثمان سنة (٣٢). فقد عاش (١٠٤) سنة.
كان من أهل اليمن ـ من يهودها ـ فهاجر إلى المدينة عند ما أسلم ، ثم تحوّل إلى الشام ، فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه ، لما زعم فيه من كثرة العلم (١). وهو الذي أمره أن يقصّ في بلاد الشام ؛ وبذلك أصبح أقدم الإخباريين في موضوع الأحاديث اليهودية المتسرّبة إلى الإسلام. وبواسطة كعب وابن منبّه وسواهما من اليهود الذين أسلموا تسرّبت إلى الحديث طائفة من أقاصيص التلمود ـ الإسرائيليات ـ وما لبثت هذه الروايات أن أصبحت جزءا من الأخبار التفسيرية والتاريخية في حياة المسلمين.
افتجر هذا الكاهن لإسلامه سببا عجيبا ليتسلّل به إلى عقول المسلمين
__________________
مالك ، أنه دخل المسجد يتوكّأ على ذي الكلاع ، وكعب يقصّ على الناس ، فقال عوف لذي الكلاع : ألا تنهى ابن أخيك هذا عمّا يفعل؟ قيل : إنه نهاه وذكّره بحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يقصّ على الناس إلّا أمير أو مأمور أو متكلّف محتال» فأمسك كعب عن القصص حتى أمره معاوية ، فصار يقصّ بعد ذلك.
(الإصابة ، ج ٣ ، ص ٣١٥ ـ ٣١٦)
(١) قال معاوية في وصف علمه : ألا إنّ كعب الأحبار أحد العلماء ، إن كان عنده علم كالثمار وإن كنّا فيه لمفرطين.
والذي يدل على مبلغ علمه الموهوم ما قاله هو لقيس بن خرشة القيسي : ما من شبر في الأرض إلّا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ، ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة ، يعني أنه يعلم بذلك. (راجع : تهذيب التهذيب ، ج ٨ ، ص ٤٣٩ ، والاستيعاب في ترجمة قيس بن خرشة ، هامش الإصابة ، ج ٣ ، ص ٢٤٣).