يستحقرون أرباب الدين إذا كانوا فقراء ، ويسترذلونهم ، وإن كانوا هم الأكرمين الأفضلين عند الله سبحانه (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) هذا تمام الحكاية ، عن كفار قوم نوح ، قالوه لنوح ، ومن آمن به (قالَ) نوح لقومه (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على برهان وحجة يشهد بصحة النبوة وهي المعجزة. وقال ابن عباس : على بينة ، أي : على يقين وبصيرة ، ومعرفة من ربوبية ربي وعظمته. واختلف في قول نوح عليهالسلام هذا أنه جواب عماذا ، فقيل : إنه جواب عن قولهم : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فكأنه قال : بل هو جواب عن قولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي : وإن كنت بشرا فما ذا تقولون إذا أتيتكم بحجة دالة على صدقي ألا تصدقوني؟
وفيه بيان أن الرسالة إنما تظهر بالمعجزة ، فلا معنى لاعتبار البشرية. وقيل : هو جواب عن قولهم (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) فكأنه قال أنهم اعتصموا بالله ، وبما آتاهم من البينة والرحمة ، فنالا بذلك الرفعة والفضل ، وأنتم قنعتم بالدنيا الدنية الفانية ، فأنتم في الحقيقة الأراذل لا هم. وقيل : هو جواب عن قولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) فكأنه قال : لا تتبعوا المال والجاه ، فإن الواجب اتباع الحجة والدلالة. ويجوز أن يكون جوابا عن جميع ذلك.
(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) رد عليهم بهذا جميع ما ادعوه. والرحمة والنعمة هي ههنا النبوة أي وأعطاني نبوة من عنده (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي : خفيت عليكم لقلة تدبركم فيها. (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي : أتريدون مني أن أكرهكم على المعرفة ، وألجئكم إليها ، على كره منكم؟ هذا غير مقدور لي. والهاء كناية عن الرحمة ، فيدخل فيها النبوة ، والدين ، وسائر النعم. وقيل : معناه أنلزمكم قبولها ، فحذف المضاف. ويجوز أن يكون الهاء كناية عن البينة. ويكون المراد : إن علي أن أدلكم بالبينة ، وليس علي أن