وهذا هو حقيقة التوكل على الله سبحانه (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي : ما من حيوان يدب على وجه الأرض ، إلا وهو مالك لها ، يصرفها كيف يشاء ، ويقهرها ، وجعل الأخذ بالناصية كناية عن القهر والقدرة ، لأن من أخذ بناصية غيره ، فقد قهره وأذله (١). وقال علي بن أبي طالب عليهالسلام في قوله : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : «يعني أنّه على حقّ ، يجزي بالإحسان إحسانا ، وبالسّيّء سيّئا ، ويعفو عمّن يشاء ، ويغفر سبحانه وتعالى» (٢).
* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) (٦٠) [هود : ٦٠ ـ ٥٧]؟!
الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) هذا حكاية عما قاله هود عليهالسلام لقومه والمعنى : فإن تتولوا ، ويجوز أن يكون حكاية عما قاله سبحانه لهود ، والمعنى : فإن تولوهم (يَسْتَخْلِفُ) قل لهم (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أي : ليس ذلك لتقصير مني في إبلاغكم ، وإنما هو لسوء اختياركم في إعراضكم عن نصحي ، فقد أبلغتكم جميع ما أوحي إلي.
(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي : ويهلككم ربي بكفركم ، ويستبدل
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٩١.
(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥١ ، ح ٤٢.