حزن (١) ضرس (٢) ، ولا سهل دهس (٣) ، مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمار ، وخوار البقعر وثناء الشاة وبكاء الصّبيّ. فقالوا له : إنّ مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ليقاتل كلّ امرىء عن نفسه وماله وأهله. فقال دريد : راعي ضأن ـ وربّ الكعبة ـ ماله وللحرب! ثمّ قال : ادعوا لي مالكا.
فلمّا جاءه قال له : يا مالك ، ما فعلت؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، ليجعل كلّ رجل أهله وماله وراء ظهره ، فيكون أشدّ لحربه.
فقال : يا مالك ، إنّك أصبحت رئيس قومك ، وإنّك تقاتل رجلا كريما ، وهذا اليوم لما بعده ، ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ويحك وهل يلوي المنهزم على شيء؟! اردد بيضة هوازن إلى علياء بلادهم وممتنع محالّهم ، وألق الرّجال على متون الخيل ، فإنّه لا ينفعك إلّا رجل بسيفه ودرعه وفرسه ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك.
فقال له مالك : إنّك قد كبرت وذهب علمك وعقلك ، فلم يقبل من دريد. فقال دريد : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يحضر منهم أحد. قال : غاب الجدّ والحزم ، لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب. قال : فمن حضرها من هوازن؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر. قال : ذانك الجذعان (٤) لا ينفعان ولا يضرّان ، ثمّ تنفّس دريد ، وقال :
__________________
(١) الحزن ؛ ما غلظ من الأرض. «الصحاح ـ حزن ـ ج ٥ ، ص ٢٠٩٨».
(٢) الضّرس : أكمة خشنة. «الصحاح ـ ضرس ـ ج ٣ ، ص ٩٤٢».
(٣) الدهس : المكان السهل اللين. «الصحاح ـ دهس ـ ج ٣ ، ص ٩٣١».
(٤) أي الصغيران.