ثم لا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه (١) بما يناسب المقام ، لأجل الاطراد في الاستطراد في تمام الأقسام.
فاعلم : أنه وإن اشتهر بين الأعلام : أن الحرف ما دل على معنى في غيره (٢) ، وقد
______________________________________________________
الماضي مجازا ، مع إن الأمر ليس كذلك ، وليس ذلك إلّا لأجل عدم دلالة الفعل على الزمان بالوضع ، وعدم أخذ الزمان في معنى الفعل وهو المطلوب.
امتياز الحرف عن الاسم والفعل
(١) أي : الاسم والفعل. قوله : «بما يناسب المقام» : فيه احتمال أن تكون العبارة في النسخة الأصلية : «مما» بدل «بما» ، ليكون بيانا ل «ما» الموصولة في قوله : «ما به يمتاز الحرف عما عداه» ، أو المراد : بما مقدار ما يناسب المقام.
وكيف كان ؛ فتوضيح ذكر امتياز الحرف عما عداه من باب الاطراد في الاستطراد يتوقف على مقدمة وهي : أن معنى الاستطراد هو : سوق الكلام على وجه يلزم منه كلام آخر غير مقصود بالأصالة ، بل كان مقصودا بالتبع ، فذكر ما ليس مقصودا بالأصالة إنما هو من باب الاستطراد.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المقصود بالأصالة في الأمر الثالث هو : بيان خروج الأفعال عن حريم نزاع المشتق ، فكان بيان الفرق بين الفعل والاسم ـ بأن للفعل خصوصية تستلزم الزمان فيدل عليه بالالتزام بخلاف الاسم ـ من باب الاستطراد ؛ ثم ذكر الحرف وبيان الامتياز بينه وبين ما عداه من الاسم والفعل اطراد في الاستطراد ؛ يعني ؛ تعميم لبيان الفرق بين جميع أقسام الكلمة ؛ ليتضح الامتياز بين كل من الاسم وأخويه.
فإن قيل : لما ذا كرر المصنف بحث الحرف وقد مر في بحث الوضع ، فليس تكراره إلّا إتلافا للوقت وتضييعا للعمر؟
فإنه يقال : إن التكرار إتلاف للوقت لو لم تترتب عليه فائدة ، ومعها يكون مطلوبا عند البلغاء والعقلاء ، ومن فوائده في المقام : بيان عدم المنافاة بين كون المعنى في الحرف كليا ، وبين كونه جزئيا ذهنيا.
ومنها : أن بيان الفرق بين معنى الحرف والاسم هنا أوضح مما مر سابقا.
(٢) أي : كائنا في غيره ؛ بأن يكون ذلك المعنى قائما بذلك الغير وجودا كقيام العرض بموضوعه.
والفرق بينهما : أن العرض قابل للتصور بدون الموضوع ، ومعنى الحرف غير قابل