الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد. وإن كان (١) بالوجود الذهني ، فافهم (٢) وتأمل فيما وقع في المقام من الأعلام ؛ من الخلط والاشتباه ، وتوهم كون الموضوع له أو المستعمل
______________________________________________________
الثالث : أن الفرق بين الإيجاد والوجود أمر اعتباري ؛ فإن الشيء الواحد بالنسبة إلى الفاعل إيجاد ، وبالنسبة إلى القابل وجود ، ثم الوجود الذهني هو نفس لحاظ النفس وتصورها ، لأنه إيجادها دون شيء آخر.
ولما كان تشخص اللحاظ بتشخص النفس لكونه من عوارضها ، وتشخص العارض بتشخص المعروض كان جزئيا ذهنيا.
إذا عرفت هذه الأمور فاعلم : إنه لا منافاة بين المعاني المذكورة ، فنفس المعنى في الاسم والحرف في نفسه. أي : مع قطع النظر عن تقيّده باللحاظ الاستقلالي أو الآلي كلي طبيعي ؛ لأنه لا يمنع عن الشركة ، وقد عرفت : أن المراد بالكلي الطبيعي ما لا يمنع عن الشركة ، ونفس المعنى نظرا إلى تقيّده بلحاظ الآلية أو الاستقلالية كلي عقلي ، لما عرفت : من أن المراد بالكلي العقلي هنا هو المعنى المقيد بأمر ذهني ، ثم إن التقيد باللحاظ معتبر في كون المعنى كليا عقليا لا في كونه جزئيا ذهنيا ، إذ يكفي في كونه جزئيا ذهنيا حصوله في الذهن سواء قيد باللحاظ أم لا.
ومن هنا ظهر عدم التنافي بين كون المعنى كليا عقليا وجزئيا ذهنيا ، فإنه كلي عقلي نظرا إلى نفس لحاظ النفس وتصورها آلية المعنى أو استقلاليته ، فيكون المعنى مقيّدا باعتبار كونه مقيدا بأمر ذهنيّ وهو لحاظ الآلية والاستقلالية ، وجزئي ذهني باعتبار كونه موجودا في الذهن بتصور النفس ، ولا منافاة بينهما لأجل تعدد الاعتبار.
فالمتحصل من الجميع : أنه لا منافاة بين كون المعنى كليا طبيعيا ، وكليا عقليا ، وجزئيا ذهنيا ؛ لأجل تعدد الاعتبار.
(١) أي : وإن كان التشخّص بسبب الوجود الذهني.
(٢) أي : فافهم فائدة الإعادة والتكرار ، «وتأمل فيما وقع في المقام من الأعلام من الخلط والاشتباه» ؛ بين كون لحاظ الآلية في الحروف قيدا للموضوع له ، أو المستعمل فيه ؛ حيث أخذوه شطرا للموضوع له فيها ، أو قيدا للمستعمل فيه ، فتوهموا كون الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف خاصا ، غافلين عن كون لحاظ الآلية فيها ناشئا من الاستعمال ، فيمتنع دخله في نفس المعنى ، وقد عرفت : أن الأقوال هنا ثلاثة ، فقد توهم جماعة عموم الوضع فقط وقالوا بكون الموضوع له كالمستعمل فيه خاصا ، وذهب جماعة آخرون ـ منهم التفتازاني ـ إلى عموم الموضوع له كالوضع ، وقالوا : بكون المستعمل فيه خاصا.