انقضى عنه ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح : أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادي ؛ وإن كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ويصح سلبها عنه.
كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ، ضرورة : صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى. وقد يقرر هذا وجها على حدة ، ويقال : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادئ المتضادة ، على ما ارتكز لها (١) من المعاني ، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم ، لما كان بينها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ ، وتلبس بالمبدإ الآخر.
ولا يرد على هذا التقرير (٢) ما أورده بعض الأجلة من المعاصرين ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتكازه بينها ، كما في مبادئها.
______________________________________________________
(١) الضمائر في لها ـ وبينها ـ ولتصادقها تعود إلى «الصفات المتقابلة ...» إلخ.
(٢) أي : لا يرد على هذا التقرير لبرهان التضاد «ما أورده بعض الأجلة» ، المراد به هو : المحقق الرشتي صاحب البدائع. وملخص إيراده على برهان التضاد هو : لزوم الدور من إثبات وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ ببرهان التضاد ، فلا بد من القول بعدم اشتراط التلبس بالمبدإ ووضع المشتق للأعم لئلا يلزم الدور.
توضيح ذلك : أن التضاد مبني على القول باشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق على الذات حقيقة ، فلو كان القول بالاشتراط مبنيا على التضاد ـ بمقتضى الاستدلال ببرهان التضاد ـ للزم الدور ، فلا بد من القول بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق حقيقة أي : الوضع للأعم لئلا يلزم الدور. فلا تضاد حينئذ ، بل تكون الصفات على القول بعدم الاشتراط متخالفة لا متضادة. هذا توضيح إيراد بعض الأجلة.
وأما وجه عدم ورود هذا الإيراد : فهو أن التضاد لا يتوقف على الوضع لخصوص المتلبس بالمبدإ حتى يلزم الدور ، بل التضاد أمر ارتكازي وبرهان التضاد ناظر إلى التضاد الارتكازي.
فحينئذ : أن وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ وإن كان موقوفا على برهان التضاد لتوقف المدلول على الدليل ؛ إلّا إن التضاد لا يتوقف على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ ، بل هو أمر ارتكازي فلا يلزم الدور أصلا.