الخامس (١):
أنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة ـ كما عرفت ـ بين المبدأ وما
______________________________________________________
تعالى مع عينية صفاته تعالى كما هو الحق». ثم أجاب عن هذا الانتصار بقوله : «الظاهر إطباق الفريقين على أن المبدأ لا بد أن يكون مغايرا لذي المبدأ وإنما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه ، فالوجه : التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه تعالى».
وأما وجه فساد قول الفصول ؛ بالنقل في صفات البارئ تعالى فهو ما تقدم ؛ من كفاية المغايرة المفهومية في صحة الحمل ، ومفهوم العلم والقدرة غير مفهوم واجب الوجود. فلا حاجة إلى الالتزام بالنقل أو التجوّز.
تنبيه : قد ثبت في العلوم العقلية : بأن صفاته تعالى عين ذاته «جل وعلا» ؛ إذ لو لم تكن صفاته عين ذاته لكانت عارضة لها ، فحينئذ لزم خلوه تعالى في مرتبة ذاته عن العلم والقدرة ، ولازم ذلك : نسبة الجهل والعجز إليه تعالى ، وهو منزه عن ذلك ، وهذا البرهان لا يقتضى إلّا العينية ؛ المانعة عن محذور لزوم خلوه تعالى في مرتبة ذاته عن الحياة والعلم والقدرة ، ولا يقتضي ذلك تفاوتا في أوضاع الألفاظ ومعانيها ؛ لعدم ارتباطه بها ، فبرهان العينية لا يوجب تغيّرا في وضع الألفاظ ومعانيها ؛ كي يقال بالنقل أو التجوّز.
خلاصة البحث
في حمل صفات البارى تعالى كالعالم والقادر ونحوهما على ذاته المقدسة : فقد يستشكل في صحته بأن الحمل لا بد فيه من تغاير الموضوع والمحمول ، والمفروض : أن صفاته تعالى عين ذاته فلا تغاير بينهما ، ومن هنا التزم صاحب الفصول بالنقل أو التجوّز.
وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بكفاية المغايرة المفهومية بين الموضوع والمحمول في صحة الحمل ، وهي ثابتة في حمل الصفات على ذاته تعالى ؛ لأن مفهوم العالم مغاير لمفهوم واجب الوجود ، وعليه : فيصح حمل صفاته تعالى على ذاته ويقال : «الله عالم ـ وقادر ـ ومريد» فلا يلزم من إطلاقها عليه تعالى تجوّز ، ولا نقل أصلا.
ومن هنا ظهر فساد ما في الفصول من التزامه بالنقل أو التجوّز ، وذلك لانتفاء المغايرة المعتبرة في صحة الحمل ، فلا بد في صحة الحمل من النقل بأن يقال : إن هيئة المشتق كالعالم والقادر مثلا في غير الله تعالى حقيقة في الذات المغايرة مع المبدأ ، وفي الله تعالى نقل منها إلى الذات المتحدة مع المبدأ ، أو استعمل مجازا.
(١) الغرض من عقد هذا الأمر : دفع توهم عدم اعتبار قيام المبدأ بالذات في صدق