عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام وإن حققناه في بعض فوائدنا (١) ؛ إلّا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية (٢) ، والإعادة (٣) بلا فائدة ولا إفادة ، كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضا ، فاعلم : أن الحق كما عليه أهله (٤) وفاقا للمعتزلة ، وخلافا للأشاعرة (٥) هو (٦) : اتحاد الطلب والإرادة بمعنى : أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد ، وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية (٧).
______________________________________________________
ولا يقبل هذا النزاع إصلاحا ، ولعل ما يأتي في آخر كلامه من قوله : «فافهم» إشارة إلى هذا.
(١) فوائد الأصول ، ص ٢٣ ، بتصرف.
(٢) أي : ذلك المحذور إما لإجمال عبارة الفوائد ، أو عدم حضور نسختها عنده أو مشقة الرجوع اليها.
(٣) قوله : «الإعادة» عطف على الحوالة. ومعنى العبارة : ولما لم تكن الإعادة خالية عن الفائدة وهي التذكر لمن لاحظ الفوائد ، وفيها الإفادة لمن لم يلاحظ الفوائد ، أو لاحظها ولكن نسي ذلك.
(٤) أي : الشيعة الإمامية.
(٥) أي : القائلين بمغايرة الطلب والإرادة ؛ كما يأتي في كلام المصنف «قدسسره».
(٦) أي : الحق هو اتحاد الطلب والإرادة بمعنى : أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد فيكون لفظا الطلب والإرادة من الألفاظ المترادفة كالإنسان والبشر ، لأن المفروض :
وحدة المعنى الموضوع له فيهما ، ولازم ذلك : أن كون الفرد الخارجي لأحدهما هو الفرد الخارجي للآخر ، وإن شئت فقل : إن مطابق أحدهما عين مطابق الآخر خارجا.
وبعبارة واضحة : أن الطلب الإنشائي هو عين الإرادة الإنشائية ، والطلب الحقيقي هو عين الإرادة الحقيقية ، فالطلب والإرادة متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا. نعم ؛ يختلفان باختلاف المرتبة ، فإن الطلب الإنشائي غير الإرادة الحقيقية من حيث المرتبة.
(٧) ما ذكره المصنف من اتحاد الطلب الإنشائي مع الإرادة الإنشائية ؛ إنما يصح فيما لو كانت الإرادة كالطلب قابلة للإنشاء. وأما لو قلنا : بأن لفظ الإرادة موضوع لصفة خاصة من صفات النفس ، والصفات النفسانية من الأمور الحقيقية التي يكون بحذائها شيء في الخارج ؛ كانت الإرادة مغايرة للطلب ، وذلك لأن الإرادة حينئذ لا تقبل الوجود الإنشائي ، فشأنها كشأن الإنسان والحيوان والبياض ونحوها مما لا يقبل الإنشاء ؛ لأنها من الأمور الخارجية الآبية عن الوجود الإنشائي.