وقد انقدح بما حققناه (١) : ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل.
______________________________________________________
ثم أن هذا البيت مما استدل به الأشاعرة على ثبوت الكلام النفسي ؛ ولكن في الاستدلال المذكور يرد :
أولا : عدم اعتبار البيت المذكور ، إذ ليس مأثورا عن معصوم من نبي أو وصي.
وثانيا : عدم ظهوره فيما ادعوه من كون الطلب صفة زائدة في النفس غير الإرادة ومقدماتها ؛ بل لا يدل إلّا على معنى قائم بالنفس ؛ من العلم في الإخبار ، والتمني ، والترجي ، والاستفهام ، الحقيقية في تلك الصيغ ، والإرادة في الأوامر ، والكراهة في النواهي.
فالحاصل : أن مدلول الكلام اللفظي الذي يسميه الأشاعرة كلاما نفسيا ليس أمرا وراء العلم في الخبر ، والإرادة في الأمر والكراهة في النهي.
(١) أي : ظهر بما حققناه من اتحاد الطلب والإرادة ؛ الإشكال في استدلال الأشاعرة على المغايرة بين الطلب والإرادة.
وحاصل استدلال الأشاعرة على المغايرة : أن الأوامر الامتحانية والاعتذارية مثل الأوامر الجدية ؛ في احتياجها إلى وجود منشأ في نفس المتكلم ، وحيث لا إرادة في نفس المتكلم ـ في تلك الأوامر ـ فلا بد من وجود صفة أخرى في نفسه ؛ لتكون هي المنشأ لأمره ، وتسمى هذه الصفة بالطلب النفسي. وإذا ثبت أن المنشأ للأوامر الامتحانية صفة أخرى في نفس المتكلم سوى الإرادة ؛ ثبت أن المنشأ لجميع الأوامر هذه الصفة ؛ لعدم القول بالفصل بين الأوامر الامتحانية وغيرها ؛ ولازم ذلك : مغايرة الطلب والإرادة لوجوده دونها في الأوامر الامتحانية ؛ ففيها يكون الطلب موجودا بدون الإرادة ، فهذا الانفكاك دليل على المغايرة ؛ كما أشار إليه بقوله : «استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل».
والفرق بين الأمر الاختباري والاعتذاري هو : أن الأول : يصدر لاستخبار حال العبد في كونه مطيعا أو عاصيا ؛ مع عدم إرادة الفعل ، وقد يعبر عنه بالأمر الامتحاني.
والثاني : يصدر من المولى لتسجيل العصيان على العبد ، فيجعل المولى مخالفة العبد عذرا حتى يحسن عقوبته. وبعبارة أخرى : أن المولى يأمر عبده بشيء ، ولا يريد منه الفعل ؛ بل يريد بأمره رفع لوم الناس في ضرب عبده باعتذار أن العبد قد عصاه. وفي المقامين طلب بدون الإرادة.