إن قلت : (١) إذا كان الكفر والعصيان ، والإطاعة والإيمان بإرادته تعالى التي لا
______________________________________________________
وهي : أنه عرفت : أن لله تعالى إرادتين ؛ التكوينية والتشريعية ، ثم هما إما متوافقتان أو متخالفتان ؛ بمعنى : أن الإرادة التكوينية إما تعلقت بعين ما تعلقت به الإرادة التشريعية ، أو بغيره ؛ مثلا : تعلقت الإرادة التكوينية بإيمان العبد ، كما أن الإرادة التشريعية تعلقت به. هذا معنى توافقهما. أما تخالفهما ففيما إذا تعلقت الإرادة التكوينية على خلاف التشريعية حيث إنها متعلقة بالإيمان دائما.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يلزم الجبر على كلتا الصورتين ، وذلك لما عرفت : من استحالة تخلّف الإرادة التكوينية عن المراد ، والمفروض : تعلقها بإيمان العبد وإطاعته في الصورة الأولى ، وبكفره وعصيانه في الصورة الثانية ، فلا بد من الإطاعة والإيمان في الصورة الأولى ؛ كما أشار إليه بقوله : «فإذا توافقتا فلا بد من الإطاعة والايمان».
وكذلك لا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان في الصورة الثانية ، فيخرج العباد عن كونهم مختارين في أفعالهم ، بل هم مجبورون في أفعالهم وليس هذا إلّا الجبر الذي يلتزم به الأشعري.
والمتحصل مما ذكرناه : أن معنى توافق الإرادتين بأن يكون صدور فعل من الأفعال عن مكلف خاص ذا مصلحة ، وكان أيضا دخيلا في النظام الأكمل ، فكان موردا للإرادتين ، فلا بد حينئذ من الإطاعة والإيمان.
ومعنى تخالفهما : بأن يكون صدور الفعل عن المكلف ذا مصلحة له ، ولكن كان مخلا بالنظام الأكمل ، فكان وجوده موردا للإرادة التشريعية ، وعدمه موردا للإرادة التكوينية ، فلا محيص حينئذ : عن أن يختار الكفر والعصيان أعني : عدم الإيمان والاطاعة.
(١) قوله : «إن قلت» بيان للإشكال المتولد عن توافق الإرادتين أو تخالفهما.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة : وهي أن التكاليف الشرعية مشروطة بشرائط ؛ منها : القدرة والاختيار وذلك لقبح التكليف بغير ما هو مقدور المكلف عقلا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إذا تعلقت إرادته تعالى التكوينية بإيمان شخص وإطاعته ـ هذا في صورة توافق الإرادتين ـ أو تعلقت بكفره وعصيانه ـ هذا في صورة تخالفهما ـ امتنع تعلق التكليف بهذه الأمور ؛ لصيرورتها غير مقدورة للعبد بعد تعلق إرادته تعالى التكوينية بها ؛ الموجبة لضرورية وجودها ، فلا يبقى حينئذ اختيار للعبد يوجب صحة التكليف بها ، وعلى هذا فيكون العبد مضطرا إلى اختيار الكفر والعصيان أو الإطاعة والإيمان وليس هذا إلّا الجبر.