بالنظام على النحو الكامل التام ، دون الإرادة التشريعية ، وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلف وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية ، فإذا توافقتا (١) فلا بد من الإطاعة والإيمان ، وإذا تخالفتا فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
______________________________________________________
والفرق بينهما : أن الأولى : عبارة عن العلم بالنظام على نحو الكامل التام ـ كما هو صريح كلام المصنف ـ فهي تتعلق بذوات الماهيات ، وتفيض عليها الوجود الذي هو منبع كل خير وشرف ، فالماهيات بمجرد سماعها نداء ربها تطيع أمر خالقها ؛ فلهذا لا تتخلّف الإرادة التكوينية عن المراد هذا بخلاف الثانية ـ الإرادة التشريعية ـ فهي عبارة عن العلم بوجود المصلحة في فعل العبد إذا صدر عنه بالإرادة والاختيار ؛ لا بالإلجاء والاضطرار.
ومن المعلوم : أن هذه الإرادة التشريعية تتخلف عن المراد ، ولا ضير في ذلك التخلّف ؛ لعدم كون هذه الإرادة علة لوجود فعل العبد في الخارج ، بل علة لنفس التشريع وفائدتها إحداث الداعي في العبد ليوجد الفعل بإرادته واختياره ، فوجود الفعل منوط بإرادة العبد لا بإرادة الله تعالى التكوينية.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المراد بالإرادة في باب التكليف هي الإرادة التشريعية التي تتخلف عن المراد ، لأنها ـ كما عرفت ـ عبارة عن إرادته تعالى صدور الفعل عن العبد والمكلف بإرادته واختياره. ومن المعلوم : أن المكلف يوجد الفعل تارة ، ويبقيه على العدم أخرى.
فحاصل الجواب عن الإشكال : أن الطلب والإرادة الحقيقيين موجودان في تكاليف الكفار والعصاة ، ولا يلزم شيء من المحذورين ـ أي : التكليف الصوري أو التخلف ـ.
أما عدم لزوم المحذور الأول : فلوجود الطلب الحقيقي ؛ الموجب لكون التكليف حقيقيا.
وأما عدم لزوم المحذور الثاني : فلما عرفت ، من عدم استحالة التخلف في الإرادة التشريعية ، واختصاص ذلك بالإرادة التكوينية المفروض فقدانها في التكاليف الشرعية ، لعدم احتياجها إليها ، بل هي مخلة فيها ؛ لما عرفت من توقف المصلحة على صدور الفعل عن اختيار العبد ، وإنما المحتاج إليه في كون التكليف جديّا حقيقيا لا صوريا هي الإرادة التشريعية.
(١) أي : فإذا توافقت الإرادة التكوينية والتشريعية ؛ بأن كان الواجب الشرعي ـ كالإيمان ـ مرادا بالإرادة التكوينية أيضا.
هذا الكلام من المصنف دخول في «شبهة الجبر». توضيحها يتوقف على مقدمة