قلت : (١) العقاب إنما يتبع الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن «السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه» (*) و «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» (**) كما
______________________________________________________
(١) توضيح ما أفاده المصنف في الجواب عن إشكال الجبر يتوقف على مقدمة وهي : أن الممكن مركب من الماهية والوجود ، فقد اتفق الفلاسفة على عدم كليهما من فعل الله ؛ بمعنى : أنه لا يكون كلاهما مجعولين بل المجعول هو أحدهما فقط إما الماهية وإما الوجود ، ثم الأثر يترتب على ما هو المجعول ، وينسب أثر ما هو المجعول منهما إلى الله تعالى. ولا يصح أن ينسب أثر ما هو غير المجعول إلى الله «عزوجل» ، ثم الأرجح هو قول من يقول إن المجعول هو الوجود دون الماهية ، بل لا يعقل أن تكون الماهية مجعولة ، لأن ثبوت شيء لنفسه ضروري ولذا قيل : «ما جعل الله المشمشة مشمشة ، بل أوجدها» فحينئذ إذا لم تكن الماهية مجعولة لم تكن آثارها مجعولة ومنسوبة إلى الله تعالى.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن إرادة الكفر من الكافر والعصيان من العاصي ناشئة من سوء سريرتهما وهو ناشئ من شقاوتهما ، والشقاوة إما ذاتي لهما أو من لوازم ذاتهما وماهيتهما والذاتي لا يعلل ، فينقطع السؤال بأنه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ إذ قد عرفت : أنه لا يصح أن تنسب الشقاوة والسعادة ولا آثارهما من الكفر والعصيان ، والإطاعة والإيمان إلى الله تعالى ، لأن السعيد سعيد بنفسه ، والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى لأن الوجود خير محض وفيض من الله «عزوجل» ، لأن الله فياض على الإطلاق.
ومن هنا يعلم : أن المؤاخذة في اختيار الكفر والعصيان ليست لأجل الاستحقاق حتى يرد عليه الإشكال بأن يقال : إنه لا استحقاق مع عدم الاختيار ، بل المؤاخذة هي من اللوازم الذاتية المترتبة على الكفر والعصيان الناشئين من الخبث الذاتي ترتب المعلول على العلة كما أشار إليه بقوله : «العقاب إنما يتبع الكفر والعصيان» ، فإذا انتهى الأمر إلى الذاتي
__________________
(*) في التوحيد ، ص ٣٥٦ ، ح ٣ / تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٢٧ / غوالي اللآلي ، ج ١ ، ص ٣٥ ، ح ١٩ : «الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من سعد في بطن أمه ...».
وفي مصباح الزجاجة ، ج ١ ، ص ٩ ، سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ١٨ ، ح ٤٦ / الجامع لمعمر بن راشد ، ج ١١ ، ص ١١٦ ، ح ٢٠٠٧٦ / المعجم الأوسط للطبراني ، ج ١٨ ، ص ٣١ ، ح ٧٨٧١ إلخ : «.. الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من وعظ بغيره ...».
(**) مشكاة الأنوار ، ص ٢٦٠ / مسند الشهاب ، ج ١ ، ص ١٤٥ ، ح ١٩٥ / صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٢٠٣٠ ، ح ٢٦٣٨.