مراده ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
إن قلت : (١) إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما إلّا إنهما منتهيان إلى ما (٢) لا بالاختيار ، كيف (٣)؟ وقد سبقتهما الإرادة الأزلية والمشيئة الإلهية ، ومعه (٤) كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالأخرة بلا اختيار؟
______________________________________________________
«عزوجل» تعلقت بصدور تلك العناوين باختيار العبد ، فلو صدرت بدونه لزم التخلف.
فالمتحصل : أنه لا يلزم من تعلق إرادة الله تعالى تكوينا بالإيمان والإطاعة والكفر والعصيان جبر أصلا ، لما مر من كون إرادته التكوينية على نحوين ، ويلزم الجبر على أحدهما دون الآخر ، كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٤٠٤».
(١) الغرض من هذا السؤال هو : عدم اندفاع إشكال الجبر بما تقدم من الجواب وهو : أن الكفر من الكافر والإيمان من المؤمن من الأمور الاختيارية ؛ وذلك لكون كل واحد منهما مسبوقا بالإرادة.
أما وجه عدم الاندفاع : أن صدور الأفعال من العباد وإن كان مسبوقا بإرادتهم واختيارهم ، إلّا إن تلك الأفعال بالأخرة منتهية إلى إرادته تعالى ، وإلّا لزم التسلسل ، لأن إرادة العبد من الممكنات ، وكل ممكن محتاج إلى المؤثر ، فإرادة العبد غير اختيارية ؛ لأنها مستندة إلى إرادة الواجب تعالى التي هي واجبة لكونها عين ذاته «عزوجل» ، فيقبح حينئذ التكليف بالإيمان وغيره لكونه تكليفا بما هو خارج عن الاختيار ، كما يقبح العقاب على الكفر والعصيان ؛ لكونه بما لا يكون بالاختيار ، فحينئذ لم يندفع إشكال الجبر بمجرد تأثير إرادة العبد في اختيارية الكفر والإيمان ؛ لأن الله قد خلق الكافر والمؤمن ، وأوجد فيهما إرادة الكفر والإيمان ؛ فلا بد من صدورهما عنهما.
(٢) المراد بالموصول هو : الإرادة الإلهية التي تنتهي إليها الممكنات ؛ التي من جملتها : إرادة المكلف ومقدماتها.
(٣) أي : كيف لا تنتهي إرادة الكفر والعصيان من الكافر والعاصي إلى ما لا بالاختيار ، والحال : أنه قد سبقت هذه الإرادة الأزلية الإلهية الرافعة للاختيار.
(٤) أي : مع السبق المزبور أي : مع سبق الإرادة الأزلية بإرادة الكافر الكفر ، والعاصي العصيان ، كيف تصح المؤاخذة على الكفر والعصيان اللذين هما مما يكون بالأخرة بلا اختيار؟ لأن سلب الاختيار يستلزم سلب التكليف ، فلا تصح المؤاخذة من دون تكليف أصلا.
فالمتحصل مما ذكرناه : أن الكفر والعصيان تابعان لإرادة العبد ، وإرادة العبد لكونها ممكنا ، وكل ممكن يجب أن ينتهي إلى الواجب تابعة للإرادة التكوينية الإلهية ، وهذا مستلزم للجبر.