لزم ـ بناء على أن تكون عين الطلب ـ كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم ، وهو بمكان من البطلان.
لكنك غفلت (١) عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح إنما يكون خارجا لا مفهوما ، وقد عرفت : أن المنشأ ليس إلّا المفهوم (٢) لا الطلب الخارجي ، ولا غرو أصلا
______________________________________________________
وحاصل التوهم : أنه على تقدير اتحاد الطلب والإرادة يلزم أن يكون المنشأ بصيغة الطلب في الخطابات الشرعية هو العلم بالصلاح ، إذ المفروض : كون الإرادة التشريعية هو هذا العلم ، وذلك بديهي البطلان ؛ لأن العلم غير قابل للإنشاء بل يحصل بأسبابه الخاصة ؛ إذ لا معنى لتعلق إنشاء الطلب بما هو حاصل في الخارج.
وبعبارة أخرى : إنه لو كانت الإرادة التشريعية عبارة عن العلم بالصلاح ، وكانت عين الطلب لكان المنشأ بالأمر والنهي هو العلم وهو باطل ؛ لأن العلم من الصفات الحقيقية التي لا يتعلق بها الإنشاء. وأما بناء على مغايرة الطلب والإرادة : فلا يلزم هذا الإشكال أصلا ، حيث إن المنشأ حينئذ هو مفهوم الطلب لا الإرادة التشريعية التي هي العلم بالصلاح ؛ حتى يلزم أن يكون المنشأ عين العلم بالصلاح كما هو قضية قياس المساواة.
(١) هذا دفع للتوهم المذكور : توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن العلم بالصلاح والإرادة التشريعية متحدان خارجا ، ومختلفان مفهوما ، والإرادة التشريعية بمفهومها قابلة للإنشاء ، والعلم بمفهومه لا يقبله.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المنشأ بالصيغة هو مفهوم الطلب لا الطلب الخارجي ؛ الذي هو عين الإرادة التشريعية التي هي العلم بالصلاح ، فلا يلزم إنشاء العلم بالمصلحة الذي هو من الموجودات الخارجية ، إذ موطن اتحاد الإرادة التشريعية مع العلم بالصلاح هو الوجود الخارجي لا المفهوم ؛ لأن صفاته «جل وعلا» عين ذاته خارجا ، فالوحدة وجودية لا مفهومية ، والإنشاء متعلق بالمفهوم لا بالوجود حتى يلزم إنشاء الوجود الخارجي فيقال : إنه بديهي البطلان ، فلا تنافي بين صحة إنشاء الطلب بالصيغة ، وبين اتحاد الطلب والإرادة.
(٢) أي : مفهوم الطلب لا الطلب الخارجي ، ولا يلزم من إنشاء مفهوم الطلب إنشاء العلم بالمصلحة ؛ الذي هو من الموجودات الحقيقية.
نعم ؛ حكي عن كثير من المعتزلة القول باتحاد الإرادة والعلم مفهوما ، ولكنه في كمال السخافة.