وهم (١) ودفع
لعلك تقول : (٢) إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل ،
______________________________________________________
المعادن من حيث المالية ، والجهات الموجبة لتنافس الخلق ، وتزاحمهم عليها مختلفة جدا ، ومتفاوتة جزما كذلك الناس ، فإنهم في الأخلاق والصفات متفاوتون كتفاوت المعادن ، فلا دلالة في هذا الخبر على كون السعادة والشقاوة ذاتيتين ؛ بمعنى : العلة التامة كما هو قضية الجبر ، ولو سلّمنا دلالة الخبر على كونهما ذاتيتين ، فالمتيقن منه ذاتيتهما بنحو الاقتضاء لا العلية التامة. ومن المعلوم : أن مجرد الاقتضاء لا يثبت الجبر.
فتلخص مما ذكرنا : عدم لزوم الجبر من ناحية ذاتية السعادة والشقاوة.
وأما من ناحية الإرادة : فلا يلزم الجبر أيضا ؛ لأن المراد بها هو علمه باشتمال فعل العبد الصادر عنه باختياره على المصلحة ؛ لا مطلقا ولو صدر عنه قهرا ، ومن المعلوم : أنّ هذه الإرادة لا توجب الجبر.
والحق في المقام أن يقال : إن الإرادة صفة كمال أودعها الله تعالى في الإنسان ، وبهذه الصفة يتحقق الاختيار المعتبر في التكليف ، فيحسن الثواب والعقاب. وأما كون إرادة العبد مسبوقة بإرادة الله تعالى فهو باطل ؛ وذلك لعدم تعلق الإرادة من الله تعالى بفعل العبد ولا بالترك ، وإنما يكون من جانب الله هو الأمر والنهي.
فما يظهر منه من : كون الكفر والعصيان والطاعة والإيمان إجباريا فاسد ؛ لأنه تعالى لا يريد تكوينا وجود شيء منها حتى يكون العبد مجبورا بها ، وعلمه تعالى بأن العبد يختار كذا لا يجبره عليه إذ العلم ليس علة للمعلوم ، بل تابع له متأخر عنه رتبة. ومن البديهي : أنّنا نجد في أنفسنا الاختيار ، وأن حركاتنا ليست كحركة يد المرتعش.
(١) أي : قبل تقريب هذا الوهم ينبغي بيان أمرين :
الأول : كان الأولى على المصنف أن يذكر هذا الوهم قبل شبهة الجبر ، لأن الوهم المزبور إشكال على العدلية القائلين باتحاد الطلب والإرادة ، ودليل على المغايرة.
الأمر الثاني : بيان ما يتولد منه هذا الوهم فنقول : إن الوهم المزبور تولد من لازم كلام العدلية في الردّ على الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي ؛ الذي يعبر عنه بالخبر النفسي في الأخبار ، وبالطلب النفسي في الإنشاء ؛ حيث جعلوه مدلولا للكلام اللفظي ، فلازم كلام العدلية : بأنه ليس في النفس غير الإرادة ما يكون مدلولا للكلام اللفظي هو كون الإرادة مدلولة للطلب الإنشائي في الإنشاءات ، والعلم في الإخبارات.
(٢) نقول في تقريب الوهم الذي هو من أدلة القائلين بمغايرة الطلب والإرادة.