بانسلاخ صيغها عنها ، واستعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى ؛ لاستحالة (١) مثل هذه المعاني في حقه «تبارك وتعالى» مما لازمه العجز أو الجهل ، وأنه لا وجه له ، فإن (٢) المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإيقاعي ؛ الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت.
ففي كلامه (٣) تعالى قد استعملت في معانيها الايقاعية الإنشائية أيضا ؛ لا لإظهار
______________________________________________________
يقدح في حق الباري تعالى ؛ فإن المحال في حقه تعالى هو التمني الواقعي الموجب لعجزه تعالى. وكذا الاستفهام الحقيقي المستلزم للجهل لا الإنشائي إذا كان بداع آخر كالمحبوبية والتوبيخ مثل : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) ، ونحو : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا)(٢).
فتحصل مما اختاره المصنف : إن ذكر المعاني الكثيرة لأدوات الاستفهام في غير محله ، كما ذكر في المغني أن لهمزة الاستفهام ثمانية معان ؛ بل الحق أن لها معنى واحد وهو إنشاء الاستفهام فقط ، ولكن الدواعي عليه متعددة.
(١) هذا تعليل للالتزام بالانسلاخ. وبيان ذلك : أن التمني هو طلب محال أو ممكن لا طمع في وقوعه ، والترجي هو ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله ، والاستفهام هو طلب العلم وحضور الشيء في الذهن.
ومن البديهي : أن التمني مستلزم للعجز ، والترجي والاستفهام مستلزمان للجهل ، فجميع اللوازم محال في حقه تعالى.
(٢) أي : هذا ردّ للتعليل المذكور.
وحاصل الردّ : إنه ليس هناك سبب للالتزام بالانسلاخ ، لأن علة الانسلاخ ـ وهي الاستحالة ـ مفقودة ؛ وذلك لأن المستحيل في حقه تعالى هو الاستفهام والتمني والترجي الحقيقية ؛ حيث إنها مستلزمة للعجز أو الجهل المستحيلين في حقه تعالى دون إنشائها.
والمفروض : أن صيغها ـ كما تقدم ـ لا تستعمل في نفس تلك الصفات حتى تلزم الاستحالة المزبورة ؛ بل تستعمل في إنشائها ، وهو لا يستلزم محذورا ؛ لأن إنشاءها ليس إلّا إيجاد النسب الخاصة ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ١ ، ص ٤٣٨».
(٣) هذه نتيجة الردّ على القول بالانسلاخ وملخصه : أن صيغ التمني وأخواته قد استعملت في كلامه تعالى في إنشاء مفاهيمها كاستعمالها فيه في كلامنا ، والفرق : أن
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.
(٢) الأنبياء : ٦٢.