بينهما ، وجوه ، بل أقوال لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها (١) بلا قرينة.
______________________________________________________
المصنف هنا هو : استعمال الصيغة في المعاني المذكورة في كلامه ، إذ كونها حقيقة في الوجوب أو الندب إنما يصح بعد استعمالها فيهما.
وهذا ينافي ما تقدم منه في المبحث الأول حيث قال : إن الصيغة لم تستعمل في واحد منها ، ويمكن الجواب عنه بأحد وجهين : الأول : أن المصنف في هذا المبحث الثاني سلك مسلك المشهور ؛ الذين يقولون باستعمالها في هذه المعاني.
الثاني : أن غرض المصنف ليس استعمالها في الوجوب ، أو الندب ، أو المشترك بينهما ، بل غرضه : أنها تستعمل في الوجوب أو الندب أي : بداعي الوجوب أو الندب ، ولكنها موضوعة لإنشاء الطلب الالزامي الذي استعملت فيه بداعي الوجوب والالزام.
ثم المراد بالوجوب هي النسبة الطلبية المصححة لاعتبار الوجوب بمعنى : أن الآمر لما كان مبرزا للإرادة مع عدم الترخيص في الترك يصح اعتبار الوجوب ، وإذا اقترن مع الترخيص في الترك لا يصح اعتبار الوجوب ، بل يصح اعتبار الندب.
وكيف كان ؛ فهنا أقوال ، وعمدتها هي الأربعة المذكورة في المتن ، وقد ذكر صاحب المعالم «رحمهالله» أقوالا أخر ؛ مثل : كونها مشتركة لفظا بين الوجوب والندب والإباحة ، أو مشتركة معنى بين هذه الثلاثة والجامع هو الإذن في الفعل ، أو مشتركة لفظا بين أربعة وهي الثلاثة السابقة مع التهديد ، أو الوقف ، فمجموع الأقوال هي ثمانية.
(١) أي : عند استعمال الصيغة بلا قرينة على الوجوب أو الندب ، وظاهر المصنف هو : القول الأول ؛ وهو وضعها للوجوب حيث قال : «لا يبعد تبادر الوجوب» ، ومن البديهي : أن التبادر هنا مثبت للحقيقة ؛ لعدم كونه مستندا إلى القرينة ، بل يكون مستندا إلى حاق اللفظ الكاشف ذلك عن الوضع والحقيقة.
نعم ؛ ظاهره هو عدم الجزم على ذلك حيث عبر بقوله : «لا يبعد تبادر الوجوب». ومن المحتمل أن يكون وجه عدم جزم المصنف بذلك ما ذكره بعض من : أن الأمر إنما يظهر إرادة المريد للفعل ، وإرادته الفعل أعم من الترخيص في الترك المساوق للاستحباب ، وعدمه المساوق للوجوب ؛ إلّا إن حمل كلام المصنف على هذا الاحتمال لا يخلو عن الإشكال ؛ فإن صيغة الأمر عند الإطلاق تحمل على الوجوب ؛ لأن الإرادة المتوجهة إلى الفعل تقتضي وجوده حتما ، والندب محتاج إلى قيد زائد وهو الإذن في الترك ، ومع عدم القيد فهي ظاهرة في الوجوب. وقيل : أن تعبيره بقوله : «لا يبعد» إنما هو لضعف القول بأن الصيغة موضوعة للوجوب.