التكرار في مادتها كما لا يخفى.
إن قلت : (١) فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام؟
قلت : (٢) مع إنه محل الخلاف معناه : أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي ؛ ثم
______________________________________________________
البحث في الدلالة على المرة والتكرار من ناحية المادة.
(١) هذا الإشكال متفرع على إنكار كون المصدر مادة للمشتقات وأصلا لها ؛ بتقريب : أن هذا الإنكار ينافي ما اشتهر بين أهل العربية من أن المصدر أصل في الكلام ؛ إذ معنى كون المصدر أصلا في الكلام أنه مادة لجميع ما يتركب منه من المشتقات.
(٢) قد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بوجهين :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «مع إنه محل الخلاف». والثاني : ما أشار إليه بقوله : «معناه : أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي».
وحاصل الوجه الأول : هو عدم تسالمهم على ذلك ؛ لذهاب الكوفيين إلى أن الأصل في الكلام هو الفعل ؛ وذلك لوجهين :
الأول : أن الفعل يقع مؤكدا ـ بالفتح ـ والمصدر مؤكدا ـ بالكسر ـ نحو : «ضربت ضربا» ؛ لأنه بمنزلة «ضربت ضربت» وهو أصل بالنسبة إليه ؛ إذ هو عامل ، والمصدر معمول ؛ مضافا إلى كون الفعل متبوعا والمصدر تابعا. ومن البديهي : أن العامل أصل والمعمول فرع ، كما أن المتبوع أصل والتابع فرع.
الثاني : أن إعلال المصدر يدور مدار إعلال الفعل وجودا وعدما ، ومن الواضح : أن المدار عليه أصل ، والمدار فرع. هذا ما ذهب إليه الكوفيون.
وأما البصريون فيقولون : بأن المصدر هو أصل الكلام ، واستدلوا بوجهين :
الأول : أن مفهوم المصدر واحد وهو الحدث ؛ ومفهوم الفعل متعدد وهو الحدث والزمان والواحد قبل المتعدد فيكون أصلا له.
الثاني : أن المصدر بمعنى : محل الصدور ؛ لأنه اسم مكان صيغة ، والفعل مأخوذ عنه فهو فرع له. فالحاصل : أن كون المصدر أصلا في الكلام ليس أمرا موردا للاتفاق ؛ بل هو محل الخلاف كما عرفت.
وأما الجواب الثاني : ـ وهو العمدة ـ فحاصله : أن المراد بكون المصدر أصلا ليس كونه مشتقا منه ومادة للمشتقات ؛ بل معنى كونه أصلا في الكلام : أن الذي وضعه الواضع أولا هو المصدر ثم بملاحظته وضع غيره من الهيئات الخاصة التي تناسب المصدر مادة ومعنى وضعا شخصيا أو نوعيا.