مفاد الصيغة ـ على هذا القول ـ هو : وحدة المطلوب أو تعدده ، ولا يخفى : أنه لو قيل بدلالتها على الفورية ، لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده ، فتدبر جيدا.
______________________________________________________
وحاصل ما أفاده المصنف فيها : أنه لو قلنا : بدلالة الصيغة على الفور فهل تقتضي وجوب الإتيان بالمأمور به فورا ففورا أم لا؟ ـ بمعنى : أنه لو اقتضت وجوب الفور بالمأمور به في أول أوقات الإمكان ، فلو أخلّ بالفورية ولم يأت به في الآن الأول وجب الإتيان به في الآن الثاني وهكذا ، ولازمه : حصول العصيان بالإخلال بالفورية مع بقاء الأمر بنفس المأمور به على حاله ـ فيه وجهان ؛ مبنيان على ما هو مفاد الصيغة على القول بدلالتها على الفور هل هو وحدة المطلوب أو تعدده؟
وتوضيح ذلك : أن فورية المأمور به تتصور على ثلاثة وجوه :
الأول : وحدة المطلوب : بأن تكون الفورية مقوّمة لأصل المصلحة في الفعل ؛ بحيث تفوت بفوات الفورية أي : بالتأخير فلا مصلحة معه.
الثاني : تعدد المطلوب : بأن تكون هناك مصلحتان ؛ إحداهما : قائمة بمطلق الفعل من دون تقييده بالفور. والأخرى : قائمة بالفعل فورا فتفوت مع فوات الفورية ، فبالتأخير يحصل عصيان الثاني. دون الأول ، فيبقى طلب الأول.
الثالث : تعدد المطلوب أيضا : بأن تقوم مرتبة من المصلحة بفورية الفعل أولا ، ومرتبة أخرى بفورية الفعل ثانيا ـ وهكذا ـ بعد عصيان الأول.
إذا عرفت هذه الوجوه فنقول : إنه إن استفيد الفور من الآيات فلا يبعد الالتزام بدلالتها على تعدد المطلوب ، وإن استفيد من نفس الصيغة فلا تدل على كيفية الفور من وحدة المطلوب أو تعدده كما أشار إليه بقوله : «ولا يخفى : أنه لو قيل بدلالتها» أي : الصيغة «على الفورية لما كان لها» أي : للصيغة «دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده».
وحاصل كلام المصنف في المقام : أنه ـ بعد تسليم دلالة الصيغة على وجوب الفور ـ أنها لا تدل على أزيد من مطلوبية الطبيعة المأمور بها فورا ، ولا تدل على كيفية مطلوبيتها من وجوب الفور في كل زمان ؛ حتى لا يسقط الأمر بالفورية بالإخلال بها في الزمان الأول وما بعده ، أو وجوب الفور في خصوص الزمان الأول حتى يسقط الأمر به بالإخلال بالفورية.
وكيف كان ؛ فتكون الصيغة قاصرة عن الدلالة على كيفية مطلوبية الطبيعة ، وأنها تكون على نحو تعدد المطلوب أو وحدته ، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل ،