قلت : نعم ؛ لا يكون حينئذ (٢) دلالة ، بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة ، ولعمري ما أفاده العلمان من التبعية ـ على ما بيناه ـ واضح لا محيص عنه ، ولا يكاد ينقضي تعجبي كيف رضي المتوهم أن يجعل كلامهما ناظرا إلى ما لا ينبغي (٣) صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم في التحقيق والتدقيق.
______________________________________________________
المفترس ، بل أراد رؤية الرجل الشجاع ، أو اعتقد السامع بإرادة شيء ولم يكن ذلك الشيء مرادا ؛ فيلزم في هذه الموارد أن لا يكون هناك دلالة بل هناك إمّا جهالة من السامع ، أو ضلالة يحسبها السامع الجاهل دلالة.
(٢) أي : نعم ؛ نلتزم بأن لا يكون ـ حين الخطأ أو القطع بما ليس مرادا للمتكلم ـ دلالة ، بل التخيل والجهالة ولا محذور في الالتزام بعدم الدلالة التصديقية في الفرضين ، وليس ما ظنّه الجاهل من الدلالة إلّا ضلالة وجهالة.
فالمتحصل من جميع ما ذكره المصنف «قدسسره» : أن الإرادة ليست جزءا ولا قيدا للموضوع له ، كي تكون الدلالة الوضعية تابعة لها.
(٣) أي : وهو كون الألفاظ موضوعة للمعاني المقيدة بالإرادة ، ولازم ذلك : كون الدلالة التصورية تابعة للإرادة مع إن الدلالة التصورية غير تابعة للإرادة قطعا كما عرفت.
خلاصة البحث في تبعية الدلالة للإرادة طبقا لنظرية المصنف «قدسسره» :
١ ـ أن الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي ؛ لا من حيث كونها مرادة للافظها ، والدليل عليه : أن كون المعنى مرادا ككونه آليا أو استقلاليا من شئون الاستعمال المتأخر عن المستعمل فيه ، فلا يكاد أن يكون من قيوده.
٢ ـ إن محل الكلام من الدلالة التي يقال إنها تابعة للإرادة هي الدلالة التصورية ، وأمّا الدلالة التصديقية : فلا شبهة في كونها تابعة للإرادة. ثم المراد من الإرادة التي يتوهم كونها مأخوذة قيدا أو جزءا للمعنى هي : الإرادة الحقيقية لا مفهوم الإرادة.
٣ ـ إن ما حكي عن العلمين من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة ؛ ليس ناظرا إلى كون الألفاظ موضوعة للمعاني المقيدة بالإرادة ، كما توهمه صاحب الفصول ، بل مرادهما أن الدلالة التصديقية تتبع الإرادة وهي خارجة عن محل الكلام ، فإن محل الكلام هي الدلالة التصورية ، وهي لا تتوقف على الإرادة ، بل يكفي فيها مجرد العلم بالوضع كما عرفت.