«فإن قيل : كيف تعملون بهذه الأخبار ونحن نعلم أنّ رواتها ، كما رووها ، رووا أيضا أخبار الجبر والتفويض ، وغير ذلك من الغلوّ والتناسخ ، وغير ذلك من المناكير ، فكيف يجوز الاعتماد على ما يرويه أمثال هؤلاء؟
قلنا لهم : ليس كلّ الثّقات نقل حديث الجبر والتشبيه ، ولو صحّ أنّه نقل لم يدلّ على أنّه كان معتقدا لما تضمّنه الخبر ، ولا يمتنع أن يكون إنّما رواه ليعلم أنّه لم يشذّ عنه شيء من الروايات ، لا لأنه معتقد ذلك ، ونحن لم نعتمد على مجرّد نقلهم ، بل اعتمادنا على العمل الصادر
____________________________________
يصلح أن يكون دليلا على من ينكر حجّية خبر الواحد.
وهذا تمام الكلام فيما ذكره من النقض ، ثمّ أجاب ثانيا بالحل ، ولم ينقله المصنّف قدسسره.
(فإن قيل : كيف تعملون بهذه الأخبار ونحن نعلم أنّ رواتها كما رووها ، رووا أيضا أخبار الجبر والتفويض).
أي : كيف تقولون بحجّية الأخبار الواردة عن طريق الخاصة ، وهي الإمامية دون الأخبار الواردة عن طريق العامة ، وتعلمون بأخبار الخاصة الواردة في فروع الدين ، مع أنّ رواتها قد رووا الروايات الكاذبة المستفاد منها الجبر والتفويض ، وغيرهما من الاعتقادات الباطلة ، كالغلوّ في شأن الأئمة عليهمالسلام ، مخصوصا في حقّ عليّ عليهالسلام ، والتناسخ وهو أنّ الأرواح محدودة في عدد معيّن ، فكل روح إذا خرج من بدن يدخل في بدن آخر.
فلا يجوز الاعتماد على نقل هؤلاء لأنّ نقلهم للأخبار الكاذبة دليل على فساد مذهبهم وعقيدتهم ، وهو موجب لسقوط سائر أخبارهم عن الاعتبار.
(قلنا لهم : ليس كل الثقات نقل حديث الجبر).
وقد أجاب أوّلا بما حاصله : أنّه ليس كل الثقات ناقلا لهذه الأخبار الكاذبة.
وثانيا : بأنّه لو كان بعضهم ناقلا لها لم يكن النقل دليلا على فساد اعتقاد الناقل حتى يكون موجبا للفسق ، بل ربّما كان الغرض من النقل إظهار الإحاطة بجميع أقسام الأخبار بحيث لم يشذ عنه شيء منها.
قوله : (ونحن لم نعتمد على مجرّد نقلهم) دفع لما يتوهّم من أنّ نقل هؤلاء لهذه الأخبار ، وإن كان لم يدل على فساد مذهبهم وعقيدتهم ، إلّا أنّ المناط في حجّية الخبر هو مجرّد النقل ، فيمكن أن يقال : إنّ النقل يكون حجّة ممّن لم يكن ناقلا لهذه الأخبار ، فنقل هؤلاء