العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكلّ خبر ، وما فطنوا لما تحته من التناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : (ستكثر بعدي القالة عليّ) (١) وقول الصادق عليهالسلام : (إنّ لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه) (٢).
واقتصر بعضهم عن هذا الإفراط فقال : «كلّ سليم السند يعمل به» وما علم أنّ الكاذب قد يصدق ، ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ ما من مصنّف إلّا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل.
____________________________________
(ومنها : ما ذكره المحقّق قدسسره في المعتبر ، في مسألة خبر الواحد ، حيث قال : أفرط الحشويّة في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكلّ خبر).
الحشوية : هم طائفة من أهل السنّة من أصحاب أبي الحسن البصري ، ولهم مقالات فاسدة ، وعقائد باطلة من جهة جمودهم على ظواهر الآيات والأخبار ، ولمّا رأى أبو الحسن البصري منهم مقالات فاسدة أمرهم بالحشو ، أي : الهجر عنه فسمّوا بهذا الاسم.
وقال المحقّق : إنّ هذه الطائفة قد أفرطوا في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر ، ولم يتفطنوا ما يلزم من هذا الإفراط من التناقض بعد ملاحظة قول النبي صلىاللهعليهوآله : (ستكثر بعدي القالة عليّ) أي : الكاذبون عليّ ، فإنّ المستفاد من هذا الحديث هو عدم جواز العمل ببعض الأخبار لكذبه.
فانقياد الحشوية لكل خبر على نحو الإيجاب الكلي مناقض لما هو مفاد هذا الخبر من السلب الجزئي ، وهو عدم جواز العمل ببعض الأخبار.
(واقتصر بعضهم عن هذا الإفراط فقال : كلّ سليم السند يعمل به).
وتنزّل بعضهم عمّا قال به الحشوية من الإفراط ، فقال بجواز العمل بكل ما هو سليم السند وعدم جواز العمل بخبر من هو متهم بالكذب ، ولم يعلم أنّ الكاذب قد يصدق فيجوز العمل بخبره ، فلا ينبغي الاقتصار بخبر سليم السند.
(ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة).
إذ لم يتفطن بأنّ الاقتصار على العمل بخبر سليم السند طعن في علماء الشيعة ، بل قدح
__________________
(١) المعتبر : ٦.
(٢) المعتبر : ٦.