لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل فلا معارضة بينهما ، لا لعدم اتّحاد الموضوع ، بل لارتفاع موضوع الأصل ـ وهو الشك ـ بوجود الدليل ، ألا ترى أنّه لا معارضة ولا تنافي
____________________________________
الوارد تكويني وواقعي ، بخلاف تضييق الدليل الحاكم لموضوع الدليل المحكوم حيث يكون تعبّديا وفي عالم التشريع.
وأمّا التخصيص فهو عبارة عن الخروج حكما مع وحدة الموضوع حقيقة من دون التصرف في الموضوع في جانب العام أصلا.
فالفرق بينه وبين الحكومة ـ بعد اشتراكهما في عدم رفع موضوع المحكوم والعام ـ هو أن التخصيص لا تصرّف له في العام أصلا ، وهذا بخلاف الحكومة حيث توجب التصرف في الدليل المحكوم تعبّدا بالتضييق أو التوسعة.
وأمّا التخصّص فهو عبارة عن خروج مورد أحد الدليلين عن الآخر موضوعا حقيقة ، وذلك كخروج زيد الجاهل في قولك : لا تكرم زيدا ، عن موضوع الدليل في قولك : اكرم العلماء ، فيقال : إن زيدا خارج عن العلماء تخصّصا خروجا حقيقيا من دون تعبّد في البين أصلا ، وحينئذ فلا تلاحظ النسبة بين الدليلين المذكورين ، إذ لا معنى لملاحظتها بينهما أصلا.
إذا عرفت هذه المقدمة يتضح لك وجه تقديم الأدلة على الاصول ، إذ أنّ الأدلة العلمية رافعة لموضوع الاصول ، فيكون تقديمها عليها بالورود إن لم يكن بالتخصّص ، وأمّا الأدلة الظنية ، فيكون تقديمها عليها ؛ إمّا بالورود مطلقا ، كما يظهر من أول كلام المصنّف قدسسره ، أو بالتخصيص بالنسبة إلى الاصول الشرعية ، وبالورود بالقياس إلى الاصول العقلية ، كما يظهر من وسط كلامه قدسسره ، أو بالحكومة كذلك ، كما يظهر من آخر كلامه قدسسره ، ولم يظهر من كلامه خروج مورد الأدلة الظنية عن الاصول تخصّصا.
ومهما كان ، فإنّ هذا إجمال الكلام في ما هو المستفاد من كلامه قدسسره ، فلا بدّ من الكلام تفصيلا في كل واحد من الموارد الثلاثة ، فنقول :
وأمّا المورد الأول فقد أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(لأنّ موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل).
وحاصله : إنّه لمّا كان موضوع الاصول هو الشك في الحكم الواقعي لشيء ـ كما تقدم ـ