وفي الخصال ، بسند فيه رفع ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : (ثلاث لم يعر منها نبيّ فمن دونه ، الطّيرة والحسد والتفكّر في الوسوسة في الخلق) (١).
وذكر الصدوق رحمهالله ، في تفسيرها : «إنّ المراد بالطّيرة التطيّر بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ المؤمن لا يطيّره. كما حكى الله عزوجل عن الكفّار : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)(٢). والمراد بالحسد أن يحسد ، لا أن يحسد ، كما قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ)(٣). والمراد بالتفكّر ابتلاء الأنبياء عليهمالسلام بأهل الوسوسة ، لا غير ذلك ، كما حكى الله عن الوليد بن مغيرة : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ)(٤)» (٥). فافهم.
وقد خرجنا في الكلام في النبوي الشريف عمّا يقتضيه وضع الرسالة.
____________________________________
يقول المصنّف قدسسره : إنّ ما ذكرنا في تفسير هذه الثلاثة هو مقتضى ظاهرها والمعروف عندهم ، ولكن ذكر الصدوق قدسسره في تفسيرها معنى آخر غير ما ذكره المصنّف قدسسره ، حيث قال : «إنّ المراد بالطيرة التطيّر بالنبيّ صلىاللهعليهوآله أو المؤمن ، لا بالطير ، والمراد بالحسد أن يحسد ـ مبنيا للمفعول ـ لا أن يحسد ، مبنيا للفاعل. والمراد بالوسوسة ابتلاء الانبياء بأهل الوسوسة».
(فافهم) لعلّه إشارة إلى أن تفسير الصدوق رحمهالله وإن كان حسنا من جهة انه مستلزم لتنزيه الأنبياء عن الامور المذكورة ، إلّا إنّه خلاف الظاهر ، وما ذكرناه وإن كان مطابقا للظاهر ، إلّا إنّه ينافي عصمة الأنبياء عليهمالسلام ، فحينئذ يجب طرح هذه الرواية ، أو تأويلها على وجه لا ينافي العصمة بأن يقال :
إنّ هذه الأوصاف تعرض الأنبياء كالبرق الخاطف ، وهذا المقدار من الاتصاف لا يضر بالعصمة لعدم تحريمه ، والمحرم هو اتصاف شخص بها ، واستقرارها به ، ولذلك كانت محرمة على الامم السابقة ، وقد ارتفعت عن هذه الامّة.
__________________
(١) الخصال : ٨٩ / ٢٧.
(٢) النمل : ٤٧.
(٣) النساء : ٥٤.
(٤) المدّثر : ١٨ ـ ١٩.
(٥) الخصال : ٨٩ ، بتفاوت.