لأنّ الثابت بها ترتّب اللّوازم المجعولة الشرعيّة على المستصحب ، والمستصحب هنا ليس إلّا براءة الذمّة من التكليف وعدم المنع من الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه ، والمطلوب في الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتّب العقاب على الفعل أو ما يستلزم ذلك ، إذ لو لم يقطع بالعدم واحتمل العقاب احتاج إلى انضمام حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان إليه ، حتى يأمن العقل عن العقاب ، ومعه لا حاجة إلى الاستصحاب وملاحظة الحالة السابقة.
ومن المعلوم أنّ المطلوب المذكور لا يترتّب على المستصحبات المذكورة ، لأنّ عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللّوازم المجعولة حتى يحكم به الشارع في الظاهر.
وأمّا الإذن والترخيص في الفعل فهو وإن كان أمرا قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا إنّ الإذن الشرعي ليس لازما شرعيّا للمستصحبات المذكورة ، بل هو من المقارنات ، حيث إنّ عدم المنع عن الفعل بعد العلم إجمالا بعدم خلوّ فعل المكلّف عن أحد
____________________________________
المقام).
إذ اعتبار الاستصحاب ـ حينئذ ـ مشروط على أن يكون المستصحب حكما شرعيا ، أو موضوعا يترتّب عليه ما هو مجعول شرعا ، والاستصحاب في المقام لم يكن واجدا للشرط المذكور ، لأنّ المستصحب في المقام سواء كان براءة ذمّة المكلّف عن التكليف أو عدم المنع عن الفعل أو عدم استحقاق العقاب عليه ؛ لم يكن حكما شرعيا ولا ممّا يترتّب عليه أثر شرعي ، لأنّ ما يترتّب عليه هو عدم ترتّب العقاب في الآخرة ، وهو ليس من اللوازم المجعولة شرعا حتى يحكم به الشارع.
وبالجملة إنّ اعتبار الاستصحاب مشروط بأن يكون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شرعيا ، ويكون وضعه ورفعه بيد الشارع ، والمستصحب في المقام ـ وهو عدم التكليف ـ أزلي غير قابل للجعل وليس له أثر شرعي ، لأنّ عدم العقاب يكون من لوازمه العقليّة فلا يجري فيه الاستصحاب.
(وأمّا الإذن والترخيص في الفعل فهو وإن كان أمرا قابلا للجعل ، ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا إنّ الإذن الشرعي ليس لازما شرعيّا للمستصحبات المذكورة ، بل هو من المقارنات) فلا يمكن إثباته بالاستصحاب ، وذلك لعدم حجيّة الأصل المثبت كما يأتي في محلّه.